قبل نحو أربعة أسابيع كتبت أن انتخابات رئاسة الجمهورية ستنتهى بالإعادة بين أحمد شفيق، ومحمد مرسي، بينما كانا يتذيلان استطلاعات الرأي، لكن القراءة الدقيقة لحركة الشارع واتجاهات التصويت التى لمستها وأعرفها جيدا، هى أن فى مصر تنظيم اسمه "الإخوان المسلمون" له كتلة ناخبة بمحيطها قادرة على حمل مرشحها لجولة الإعادة، وفى نفس الوقت هناك تيار عريض داخل المجتمع المصري يرى ضرورة عودة الدولة والأمن والاقتصاد ودوران عجلة الإنتاج وهو سيعطى أصواته لشفيق دون مواربة. المشكلة أن المحللين ومن يتصدرون المشهد الإعلامى لا يقرأون جيدا، ما يحدث من تفاعلات فى الشارع، ولا طبيعة تحركات واتجاهات الناس فى أوقات التجاذب، حيث لا يحظى الوسطيون بفرص كبيرة، بينما يصبح المعبرون بشكل واضح عن تيارات سياسية واتجاهات مجتمعية الأكثر حظوظا فى حصد أصوات الجماهير، لكن مشكلة بعض من لا يصدقون أن ما جاء فى الصناديق هو تصويت حقيقى، سرعان ما بدأوا حملة شائعات سوداء ضد شفيق بزعم أنه حصل على أصواته بطرق غير مشروعة، وأقصد هنا شائعتين واضحتين يلفان على كافة أجهزة الإعلام دون أن يتوقف من يكتبونها لينظروا فيها. الأولى تقول إن ضابط شرطة يدعى عبد الرحمن منصور النشار تقدم ببلاغ إلى النائب العام يتهم فيه أجهزة الدولة باستخراج 900 ألف بطاقة رقم قومى لجنود الشرطة فى الجيزة للتصويت فى الانتخابات. وزارة الداخلية من ناحيتها نفت أن يكون فى سجلاتها ضابط بهذا الاسم، لكن هذا النفى ليس مهما فنحن لا نصدق الداخلية! أحد الضباط المسئولين فى نقابة ضباط الشرطة " تحت التأسيس" قال لقناة التحرير إنهم فى النقابة لم يتوصلوا لضباط بهذا الاسم فى الداخلية، وناشده إن كان شخصا حقيقيا أن يتصل بالنقابة لمساعدته.. لكنه لم يتصل، وأضاف أن عدد العاملين بجهاز الشرطة من ضباط وأفراد ومدنيين وجنود ومجندين لا يصل إلى 900 ألف.. لكن ليس مهما فنحن لا نصدق نقابة ضباط الشرطة المستقلة! باعتبارى صحفياً حققت فى الأمر، وتوصلت إلى الحقائق التالية، إذا كان تم استخراج 900 ألف بطاقة لرجال الشرطة فى الجيزة للتصويت للفريق شفيق، فهذا يعنى أنه يجب أن يصوتوا جميعا فى محافظة الجيزة، لأننا نعطى أصواتنا حسب العناوين المثبتة فى بطاقة الرقم القومى، وإذا صدرت من الجيزة فلا بد أن يصوت أصحاب هذه البطاقات المزورة فى الجيزة. عدد الأصوات التى حصل عليها شفيق فى الجيزة هى 374144 صوتا، وحل رابعا بعد محمد مرسي الذى حصل على 599672، ثم حمدين صباحى وحصل على 478068، ثم أبو الفتوح وحصل على 425931 صوتا، فأين ذهب 900 ألف صوت من جنود الأمن؟.. ولماذا لم يعطوا أصواتهم لشفيق؟ وهل خانوه وصوتوا لمرسى أو صباحى أو أبو الفتوح أو موسى؟!!! الخبر الثانى أو الشائعة الثانية تفيد أن عدد من كان لهم حق التصويت فى انتخابات مجلس الشعب التى انتهت فى يناير بلغ 45 مليون مواطن، بينما فى الانتخابات الرئاسية نحو 51 مليون مواطن، وبالتالى يقول الخبر سريع الانتشار أنه تم إضافة 6 ملايين صوت صوتت جميعها لصالح الفريق شفيق، لتغيير نتيجة الانتخابات، وربما لمنع مرسى من الفوز من أول مرة، أو دخول صباحى جولة الإعادة وهما أصحاب المصلحة فى هذه الشائعة. وباعتبارى صحفياً "على قدى" لم ألجأ إلى بيانات اللجنة العليا للانتخابات التى أدارت انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وإنما إلى رئيس الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء الذى يمد جميع المواطنين والهيئات الحكومية بالبيانات الرسمية عن سكان مصر. وإليكم الخبر المنشور فى 12 يناير 2012 : "أعلن رئيس الجهاز المركزي للتعئبة العامة والإحصاء في مصر اللواء أبو بكر الجندي اليوم الأربعاء أن نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الشعب بمراحلها الثلاث بلغت نحو 60 %. ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية عن الجندي قوله: "إن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قام بحصر أعداد الناخبين الذين لهم حق التصويت في انتخابات مجلسي الشعب والشورى معًا حيث بلغت أعدادهم نحو 50 مليون ناخب" .. هذا التصريح لرئيس الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء كان فى اليوم الأخير من المرحلة الثالثة من مجلس الشعب.. وهذا الرقم 50 مليونا هو عدد من لهم حق التصويت فى انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وقد أضيف إليه من لم يدرج من المواليد الجدد الذين بلغوا الثامنة عشرة، قبل انتخابات الشعب، ليحق لهم التصويت فى الانتخابات الرئاسية. هذه قطرة من سيل من الشائعات التى تنشرها الصحف كل يوم، ولو توقفت لقراءة كل خبر ينشر فى الصحف والمواقع الإلكترونية ربما احتجت إلى شهور لتحليل وتوضيح كمية الأكاذيب اليومية التى تهطل على الشعب المصري كل دقيقة بل كل فيمتو ثانية.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.