أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم، عن رحمة الله تعالى بجميع خلقه من إنسان وحيوان وطير، وأنها تشمل عباده المؤمنين فى الدنيا والآخرة، فقد ورد عن أَبَى هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءاً وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءاً وَاحِداً فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ»، رواه البخارى. قال الإمام ابن حجر العسلاقى فى كتابه فتح البارى لشرح صحيح البخارى، إن قول النبى: «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءاً وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءاً وَاحِداً»، أى أن المراد بالمائة قد يكون للتكثير والمبالغة، وقد يكون للحقيقة فيحتمل أن تكون مناسبة لعدد درج الجنة والجنة هي محل الرحمة فكان كل رحمة بإزاء درجة وقد ثبت أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى فمن نالته منها رحمة واحدة كان أدنى أهل الجنة منزلة، وأعلاهم منزلة من حصلت له جميع الأنواع من الرحمة. وأضاف ابن حجر فى شرحه للحديث، أن الرحمة هنا عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخير والقدرة في نفسها غير متناهية، لكن حصره في مائة على سبيل التمثيل تسهيلا للفهم وتقليلا لما عند الخلق وتكثيرا لما عند الله سبحانه وتعالى فأنزل الله تعالى رحمة واحدة منتشرة فى جميع الأرض بين الجن والأنس والبهائم . وأشار العسقلانى إلى أن المراد قول رسول الله«فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ»، أى فبهذه الرحمة تعطف الوالده على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض، منوها أن النبى خص الفرس بالذكر، لأنها أشد الحيوان المألوف الذي يعاين المخاطبون حركته مع ولده ولما في الفرس من الخفة والسرعة في التنقل ومع ذلك تتجنب أن يصل الضرر منها إلى ولدها. وأوضح ابن حجر أن فى هذا الحديث إشارة إلى أن الرحمة التي خلقها الله لعباده وجعلها في نفوسهم في الدنيا بين الخلق تكون فيهم يوم القيامة فهي التي يتغافرون بها التبعات بينهم و يتراحمون بها يوم القيامة. وتابع: «ويجوز أن يستعمل الله تلك الرحمة فيهم فيرحمهم بها سوى رحمته التي وسعت كل شيء فهي التي يرحمهم بها زائدا على الرحمة التي خلقها لهم، ويجوز أن تكون الرحمة التي أمسكها عند نفسه هي التي عند ملائكته المستغفرين لمن في الأرض لأن استغفارهم لهم دال على أن في نفوسهم الرحمة لأهل الأرض».