التقي وكيل الأزهر، ب«جان فريدريك بواسون» نائب رئيس لجنة القانون في المجلس الوطني الفرنسي ورئيس الحزب المسيحي الديمقراطي ، والذي أوضح أن هدفه من اللقاء هو الوقوف على حقيقة بعض القضايا التي ثار حولها جدل في الآونة الأخيرة باعتبار الأزهر أكبر مؤسسة إسلامية في العالم، ويمتلك رسالة يمكن توجيهها لتوضيح الكثير من الأمور. وعن رسالة الأزهر قال وكيل الأزهر،إن الأزهر الشريف يمتلك رسالة إنسانية مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تهدف إلى خدمة البشرية جمعاء. وعن تجربة بيت العائلة قال وكيل الأزهر إنها تجربة مصرية فريدة نفخر بها جميعا أطلقها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر ،حيث يجتمع علماء الأزهر والقساوسة لبحث المشكلات التي تطرأ على المجتمع والمساهمة بأفكار تخدم التعليم والثقافة في مصر، ويتناوب على رئاسته شيخ الأزهر وبابا الكنيسة. وقد نشأت هذه الفكرة عقب الاعتداءات التي تمت على بعض الكنائس في العالم ونال مصر منها نصيب ، وتم اتهام بعض المتشددين الإسلاميين بالوقوف خلف تلك الأحداث ،فجاء الإعلان عن إنشاء بيت العائلة وسط ترحيب ودعم من الكنائس المصرية التي تدرك جيدا دور الأزهر . وقد قام بيت العائلة بخطوات جادة في دعم فكر التعايش والتعاون بين أبناء الشعب المصري وحقق نجاحات كبيرة على أرض الواقع ، وتوسعت فروعه لتشمل 20 محافظة مصرية وجار استكمال بقية الفروع. وأهم وأبرز ما قام به بيت العائلة هو الرفض التام لأي اعتداء على بيوت العبادة بل المساهمة في ترميم الكنائس المتضررة ، وبدعم كامل من الأزهر. وعن علاقة الأديان بالعنف قال وكيل الأزهر، إن الأديان السماوية تقف جميعها صفا واحد في مواجهة التطرف والإرهاب والعنف ، لكن المشكلة الحقيقية التي نعاني منها هي فهم النصوص والتفرقة بين مصطلح العنف ورد العدوان أو الدفاع عن النفس ومعاقبة المعتدي، ففي جميع الأديان فإن الدفاع عن النفس ورد العدوان أمر مشروع ، لكن وفق ضوابط وشروط . ونجد أن بعض الناس يفهمون النصوص التي ذكر فيها القتال في الاسلام على أنها نصوص تدعو للعنف ،لكنها ليست كذلك ، فجميع النصوص التي وردت في القرآن الكريم جاءت في إطار رد العدوان والدفاع عن النفس وهذا حق مقرر في كل الشرائع والقوانين , فالأديان كلها تدعو لتجنب العنف ودعم السلام بين البشر جميعا . وعن موقف الأزهر من الجماعات المتشددة قال وكيل الأزهر إن الأزهر الشريف يحرص دائما على قطع الصلة بين الفهم الصحيح للإسلام والجماعات التي تتبني العنف والإرهاب منهجا ، ونبين للجميع أن أفعال هؤلاء لا علاقة لها بالدين الصحيح وإنما ترجع لأهداف سياسية. وإذا أراد المجتمع الدولي التصدي لتلك الجماعات فيجب أن يتم التعامل بشفافية ووضوح والتوقف عن نسبة أفعالها للأديان ، ويجب أن تعلم الدول التي تساند تلك الجماعات وتدعمها أنها ليست بمأمن من خطرها ، لذا يجب التوقف عن دعمها و التغطية على أفعالها والتصدي الحقيقي لجرائمها. والأزهر منذ فترة طويلة أعلن تصديه لكافة الأفكار التي تروجها تلك الجماعات خاصة تنظيم داعش الإرهابي، وعقد مؤتمرا عالميا في ديسمبر 2014 شارك فيه ممثلون من مختلف الأديان والطوائف ، واتفقوا جميعا على تبرئة الأديان من الإرهاب وقطع الصلة بين أفعال تلك الجماعات وبين الأديان السماوية جميعا ، وطالبوا المجتمع الدولي بالتصدي لهذه الجماعات وفتح حوار بين الشرق والغرب والشمال والجنوب لنشر قيم التعايش السلمي بين الجميع. كما أنشأنا بالأزهر الشريف مرصدا يعمل ليل نهار على متابعة الأفكار التي تروجها تلك الجماعات ويقوم بالرد عليها بعدة لغات. كما قام الأزهر الشريف بإرسال قوافل السلام بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين لنشر الفكر الوسطي الصحيح ، ولاقت نجاحا كبيرا يؤكد دور الأزهر الشريف وقدرته على مواجهة أفكار العنف والتشدد ،كما أننا على استعداد لإرسال دعاة لجميع دول العالم. وننظر في الأزهر لبعض تلك الجماعات على أنها جنحت لاستخدام العنف من أجل أهداف سياسية ، أما داعش فقد صنعت من قبل أجهزة لا نعلمها ولكننا متأكدون أنها تضمر العداء للمنطقة ، وخير دليل على ذلك احتلال مدينة تدمر السورية التي تقع في قلب الصحراء ، فكيف تحركت أساطيل سيارات داعش دون أن تراها الأقمار الصناعية التي تراقب المنطقة ليل نهار؟! وكيف وصلت داعش لهذا التطور الخطير تكنولوجيا ؟! ومن أين تأتي بالأموال والملابس والساعات الفاخرة والسلاح النوعي المتقدم ؟! أما عن النصوص التي تستخدمها داعش في الحرق والقتل فهي نصوص إما مدسوسة ولا علاقة للشريعة الإسلامية بها ، وإما أنهم يؤولونها وفقا لأهوائهم. وهناك معالجة خاطئة من كثير من الدول ومن بينها فرنسا في مواجهة أفكار المتشددين ،تكمن في إفساحها المجال لأصحاب الخطاب المتشدد للتصدي للدعوة وعدم الاستعانة بالمؤهلين الحقيقيين على توجيه الخطاب الصحيح وهم علماء الأزهر ، فكم داعية أزهريا في فرنسا مقارنة بعشرات وربما مئات من المتشددين الذين يتصدون للخطاب الدعوي في أوربا ؟ فلن يتوقف العنف مادامت هذه الأفكار موجودة، وخير دليل على ذلك أن التحالف الذى شكل لمواجهة تنظيم داعش لم يصل إلى النتائج المرجوة من القضاء على هذا التنظيم بل وجدناه يزداد قوة ، بل تناقلت بعض وسائل الإعلام أخبارا تؤكد أن هجمات التحالف زودت داعش بالسلاح ! الآيات المكية والمدنية وحول ادعاء وجود نصوص في القرآن الكريم مدنية وأخري مكية بينهما تناقض ، قال وكيل الأزهر إن القرآن الكريم كل لا يتجزأ ، ولكن الآيات التي نزلت في العهد المكي نزلت لظروف تحيط بالدعوة ، حيث كانت تحث الرسول عليه الصلاة السلام والصحابة على الصبر وتحمل المشاق والأذى ، ولم يكن مسموحا لهم برد العدوان فتحملوا أشد أنواع الإيذاء. أما الآيات المدنية فنزلت في وضع مختلف وتم فيها السماح للرسول عليه الصلاة السلام والصحابة برد العدوان وليس البدء به، فالتشريع المدني والمكي مكملان لبعضهما ولا يوجد بينهما تناقض. وأضاف وكيل الأزهر ردا على سؤال لرئيس الحزب المسيحي الفرنسي :«هل ترى أنني كمسيحي كافر تستحل قتلي وأخذ مالي؟»،لاتجيز شريعتنا قتلك ولا أخذ مالك،بل تراك وغيرك من المسحيين واليهود وغيرهم غير المعادين للمسلمين " بمعنى أنهم ليسوا في حالة حرب " ، أن دماء كم وأموا لكم حرام كدماء وأموال المسلمين،وأن المعتدي عليكم كالمعتدي على المسلم يعاقب بنفس العقوبة المقررة في حال اعتدائه على دم أو مال مسلم. وتابع: «يكفي أن أخبرك بحديث واحد عن رسولنا يجيب على سؤالك وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-"من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفا" والمعاهد هو غير المسلم الذي بينه وبين المسلمين أمان ،وقد أمرنا رسولنا بحسن معاملة غير المسلمين وأوصانا كمصريين بأقباط مصر». وأفاد: «ولعل في التواصل والتعاون بين الأزهر والكنائس في الداخل والخارج رد عملي على تساؤلك،ولدينا في شريعتنا نظام كامل يحدد العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين لا أظن أن له وجود و مثيل في النظم الوضعية وهو أسبق وأكثر منها تقدما ورقيا بمراحل كثيرة ولا أظنها قادرة على ملاحقته». وعن تطبيق الشريعة الإسلامية أكد وكيل الأزهر، أن كثيرا من الناس يفهم تطبيق الشريعة فهما خاطئا وأظنك تقصد تطبيق عقوبات الحدود،وفي الحقيقة الشريعة الإسلامية أعم وأشمل من ذلك بكثير فهي نظام متكامل يشمل العبادات والمعاملات بين الناس ويضبط سلوكيات البشر ليعيش الناس في سلام وأمان،ومعظم مايتعلق بالشريعة الإسلامية مطبق في الدول الإسلامية في العبادات والمعاملات. وبين أن العقوبات يمكن أن تعتبر العقوبات المنصوص عليها في القوانين الوضعية عقوبات تعزيرية وهي قسم من العقوبات في الشريعة الإسلامية،وتبقى جرائم معدودة هي جرائم الحدود وهي التي يعنيها كثير من الناس حين يتحدثون عن تطبيق الشريعة الإسلامية وهو خطأ شائع فهي جزء من الشريعة وأحكامها قطعية لا تحتمل التبديل ولا التغير والسعي لتطبيقها واجب شرعي على ولاة الأمور دون غيرهم متى تهيئت المجتمعات وأمكن إثبات الجرائم على مرتكبيها بشكل قاطع. وأكد أنه لايجوز تكفير المجتمعات ولا إسناد فسادها إلى عدم تطبيق هذا الجزء اليسير المهم من الشريعة، ففي ظل تطبيقه قد يفلت المجرم بجريمته من العقاب الدنيوي إذا لم تكتمل شروط معاقبته كعدم وجود الشهود أو الاعتراف على نفسه أو وجود شبهة تخل باكتمال أركان الجريمة، ولذا كان سيدنا عمر لايقطع آخذ مال غيره في عام الرمادة لتمكن شبهة الاحتياج الشديد في أخذ المال، والأصل في العقوبات الردع عن المخالفة والردع لايقتصر عليها بل معرفة الحلال والحرام ومايجوز ومالايجوز يجب أن يكون هو الأردع،لأن مرتكب الجريمة إن أفلت من العقاب الدنيوي فلن يفلت من العقاب الأخروي وهو أشد إيلاما. وعن علاقة الدين بالسياسة قال وكيل الأزهر :إن الدين جاء لتحقيق مصالح الناس وهو مجموعة من القيم والأخلاق والسلوكيات التي يجب على الناس تطبيقها والالتزام بها ، وإذا فهم الدين فهما صحيحا فلا تعارض بينه وبين السياسة التي وضعت أيضا لتحقيق مصالح الناس ، والأزهر الشريف يرفض إقحام الدين في السياسة بشكلها المعاصر فالدين لاينفك عن المعايير الخلقية والسياسة في زماننا تتبع المصالح التي لاتراعي الضوابط الأخلاقية في كثير من الأحيان،كما أن كثيرا من السياسات هو من الأمور الدنيوية التي تتغير وتتبدل كثيرا ومنها جوانب لاعلاقة له بالدين أصلا، وقد قال رسولنا :"أنتم أعلم بشئون دنياكم" فكل ماتتفتق عنه قرائح الساسة إن وافق مقاصد الشرع فلا تعارض بينه وبين الدين ،وإن لم يجر على قواعد الدين وأصوله فلاعلاقة للدين به،فليس في شرعنا قوالب جامدة تلزم الساسة بتطبيقها تطبيقا حرفيا بل مجموعة من القيم والمبادئ الهادية يمكن للساسة الاستفادة منها في كثير من أمور السياسة،والأزهر مؤسسة تنأى بنفسها عن السياسة ولايعترف بمسمى الدولة الدينية. وأوضح أن المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة هي التي جاءت في الشريعة الإسلامية ، فقد أعطى الإسلام للمرأة حقوقا وكفل لها حرية تامة واستقلالية في ذمتها المالية واختيار زوجها وجعل لها حقا في الميراث، بل جعلها في كنف الرجل يرعاها طفلة وزوجة وأما ، أي من ولادتها إلى أن تموت ، والمرأة في الإسلام لا تقل شأنا عن الر جل ،وكثير مما يراه الغرب من التسوية بين الرجل والمرأة ليس كذلك فالتسوية بين الرجل والمرأة في الميراث الذي ينادي به هو عين الإجحاف،حيث إن الرجل هو الذي يتحمل التبعات المالية ويتولى مسؤولية المرأة كاملة،والتسوية في النفقة على زوجتين لرجل مثلا إحداهما تقيم في المدينة والأخرى في الريف هو الظلم بعينه للتي تقيم في المدينة لكثرة نفاقتها عن الريفية،والتسوية بين ابن في مراحل التعليم الابتدائي وابنة في الجامعة هو عين الظلم للجامعية،والتفريق بين الرجل والمرأة في بعض بلاد الغرب في الراتب الشهري فيه إجحاف بالمرأة لأن الأجر في مقابل العمل ولايتفاوت بين الذكر والأنثى،ولذا فإن التسوية الحقيقية والعادلة بين الرجل والمرأة هو ماجاءت به شريعتنا وليس مايدعيه كثير من الناس في زماننا. من جانبه قال نائب رئيس لجنة القانون في المجلس الوطني الفرنسي ورئيس الحزب المسيحي الديمقراطي إنه كبرلماني فرنسي لا يمكن أن يوجه النقد للبرلمان خارج بلاده لكنه ليس سعيدا بالطريقة التي تتعامل بها الحكومة الفرنسية مع تنظيم داعش ،وهناك قرارات كثيرة لم تتخذ لوقف تمدد داعش ،ومنها فتح التحقيق في قضية شراء البترول من داعش ،وشكر وكيل الأزهر لتوضيحه لكثير من الأمور التي تخفى عليه وعلى زملائه في البرلمان الفرنسي وتمنى أن يراه وغيره من علماء الأزهر في باريس لتوضيح هذه الأمور.