عندما طلب الرئيس جمال عبدالناصر من وزير خارجيته في ذلك الوقت الراحل محمود فوزي، أن يطالب بتعويضات عن خسائر مصر نتيجة اعتداء الدول الكبري عام 1956 (العدوان الثلاثي ) فكان رده علي الرئيس (عفوا سيدي الرئيس ..هات القوة وتفاوض .. هات القوة وتكلم). لابد هنا أن نتوقف كثيرا ونتأمل وندرس الواقع الأفريقي في النظام الدولي الآن وكعادتنا لابد من تأصيل الحديث ولكن الرجوع للوراء في تصوري لا يفيد كثيرا وهذا رأيي أخص به نفسي دون غيري، فنحن في مصر كنا أسياد العالم في العصور القديمة والحضارة المصرية هي التي أضاءت سماء العالم وكانت المرجعية الحضارية لكل القارة الأفريقية بحكم الريادة علي ما يظن الاعلام دائما بأننا رواد القارة. أيها الأعزاء هذا الزمن قد ولي ولم يعد له وجود إلا في عقولنا فقط وإذا أردنا العودة فلم يعد لدينا المزيد من الوقت لأن هناك دولا أفريقية أصبحت رائدة ولها دور علي الصعيد الإقليمي والدولي والهم الكبير لنا ولهم أصبح ضرورة مواجهة التغييرات الدولية التي تقسم ظهر الضعفاء في العالم ويصبح السؤال الآن: هل لنا كلمة ورأي فاعل في هذا النظام ؟؟ وأين نحن من النظام العالمي؟؟ هل نستطيع التأثير فيه؟؟ هل نستطيع الوصول إلي ما وصلت إليه دول أخري؟؟ إيران مثلا ؟؟!! هذه التساؤلات تجعل منا للأسف دولة غير فاعلة في العلاقات الدولية حتي وإن توافرت بعض من مظاهر القوة العسكرية بدون استغلال للقرار علي خلفية أننا نستورد احتياجاتنا من التسليح من الخارج ذلك علي مستوي دولتنا مصر وهي جزء من القارة الأفريقية، فهل للقارة الأفريقية قول في هذا النظام؟؟ فمنذ مرحلة خطف أفريقيا من خلال مرحلة الكشوف الجغرافية وبداية مرحلة تجارة العبيد، هذه التجارة التي أسهمت في تنمية العالم الجديد وتحقيق الرفاهية وأدت إلي اشتعال الحروب القبلية. ومع بداية المرحلة الاستعمارية من خلال المعاهدات مع الممالك الأفريقية التي أعطت للوافد الأوروبي المساعدة لهتك وخطف القارة لصالح هؤلاء البيض الذين كانوا من وجهة النظر الأفريقية زائرين سيعودون حتما إلي ديارهم، والأغرب أن هذه القوي الاستعمارية منذ بداية القرن 19 تدفقت علي القارة وهي تحمل مشاعل الحضارة والمدنية لمناطق التخلف في العالم وعلي رأسها أفريقيا وكان الاستعمار يرفع شعار نحن في مهمة حضارية لنشر النور والحضارة في هذه الأرض السوداء مع تغليف ذلك بضم مبشرين بالمسيحية، ومازالت هذه المعاني راسخة في الأذهان البيضاء وتترك آثارا عميقة علي السود في القارة مع شدة تحفظي علي لفظ السود لأنها قد تعني دلالات غير مقصودة وإنما المهم هنا أن التفرقة العنصرية هذا المرض الذي تفشي ومازال حتي الآن لدرجة نسف الأفارقة بالديناميت لمجرد اللهو!!! مع استقلال الدول الأفريقية كانت الدول تملك هامش المناورة أثناء الحرب الباردة ولم تعد تملك ذلك الآن منذ سقوط الاتحاد السوفيتي وظهور الولاياتالمتحدةالأمريكية كقوة عظمي ورثت كرسي العالم وأصبح هذا القرن هو قرن الليبرالية الأمريكية للحد الذي قال عنه فوكوياما – المنظر الأول للرأسمالية الأمريكية – أن دين العالم الجديد هو الرأسمالية الأمريكية دون غيرها. بعد ذلك هل لنا نحن الأفارقة فعل في هذا النظام (تكرار السؤال في تصوري يعكس مدي أهميته ودلالته) ؟؟ الإجابة لا فنحن نقف دائما في موقف رد الفعل ونتسابق لنيل الرضا الدولي الأمريكي والأوروبي ونطلب العون منهم وكأننا لم نتعلم من دروس التاريخ، فنحن وبقلب مطمئن لا قيمة لنا في النظام الدولي ونعاني من التبعية للغير الذي دائما وأبدا يعطينا الرأي لنقوله في المحافل الدولية التي يسيطر عليها الأقوياء في العالم بل نقولها وبصراحة أكثر تسيطر عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية وتعرض رأيها بالقوة، هذه القوة في كافة جنباتها (عسكريا واقتصاديا وماليا بالإضافة إلي مصادر القوة الناعمة الأخري التي تملكها دون غيرها). وندرك أن الحل ليس التوجه لغيرنا لحل مشاكلنا ولا نثق في العبارات التي تدغدغ المشاعر مثل حقوق الإنسان والطفل والمساواة والديمقراطية وغيرها من الألفاظ التي اخترعتها الولاياتالمتحدةالأمريكية لتسهيل التدخل والهيمنة ومحو سيادة الدول لحساب السيادة لقيم العولمة الأمريكية التي تسيطر علي العالم بما فيه أوروبا. وعلينا أن ندرك من خبرات الماضي علمتنا أن من يمتلك القوة يتحكم بالعالم بغض النظر عن المواثيق والمنظمات الدولية التي هي بالأساس من صناعة الأقوياء في العالم والعودة للنظام الدولي لا تأتي إلا بامتلاك القوة سواء كانت اقتصادية ، عسكرية ، مالية .. ولنا في ألمانيا واليابان وكوريا بشقيها والبرازيل مثل في ذلك. والأمم المتحدة أصبحت علي المحك في ظل سيطرة أمريكية علي القرار الدولي وكأنها هيئة ديكتاتورية غير شرعية ( لا تعبر إلا عن مصالح الأقوياء في العالم ) ولا تعبر عن المصداقية الحقة في العلاقات الدولية فهل يصبح الأمل في الاستقرار العالمي وفاعلية المواثيق الدولية سرابا في النظام الدولي؟؟؟ علينا ألا ننتظر ذلك فالعالم لم يعد يعرف سوي القوي، فهل يمكن أن نصل لفاعلية في النظام العالمي علي ما نحن فيه من ضعف؟؟؟؟ نعم من خلال التكريس لسياسات الاعتماد علي النفس وعدم الثقة إلا بأنفسنا والدعم المستمر لجهود الوحدة التي تجعلنا نواجه غول العولمة الذي هبط علينا وسيطر علي كل مظاهر حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتوجه نحو التحالف مع الدول التي اجتازت مرحلة العزلة مثل الصين واليابان وكوريا والبرازيل فنحن قارة اعلاميا فقيرة، ولكن الواقع يشير إلي أننا نملك الكثير من الموارد ، فهل يمكن أن يكون لهذه الموارد دور في تنمية القارة ورفاهيتنا نحن وليس الغرب.