حدثتك في مقال سابق عن نظرية الاحتشادSwarming، تلك النظرية التي فطنت إليها جهات( سيادية) في الغرب استلهاما من الأساليب البيولوجية في تكتيكات الهجوم عند بعض الحشرات وفي مقدمتها النمل والنحل. وهي فكرة قائمة علي مهاجمة الأهداف من اتجاهات عدة في شكل موجات كر وفر، حاشدة، ضاغطة، كثيفة الأعداد، متلاحقة، متعاقبة،ثبت أنها تؤدي لا محالة إلي سقوط أعتي الأهداف!! وبعيدا عن اتهام دولة أو أخري بتوظيف هذه النظرية شديدة الفاعلية في معين ثورات الربيع العربي لأهداف لا يستطيع شخص فرد أن يتوصل إليها بعد، وإنما تحتاج إلي مراكز معلوماتية بحثية( سيادية) أيضا لكشف أبعادها، غير أن الأحداث الجارية علي أرض الواقع لا تزال توحي بوجود هدف أو ربما أكثر من ورائها؛ أهداف تم إضفاء مزيد من الفاعلية من أجل تحقيقها من خلال توظيف تقنيات التواصل الاجتماعي رفيع التكنولوجيا لربط( المحتشدين) من البشر بعضهم بعض( ربما دون علمهم)، وفي مقدمة هذه التقنيات رأس الأفعي شبكة الانترنت!! ولكن، تري( كل) الناس محتشدة؟ أم تراها مجموعة منهم فقط ؟ أعتقد أن نسبة المحتشدين( الجوهريين) تقل بمراحل عن نسبة المحتشدين(بالعدوي); ثم أعتقد أن نسبة الاثنين( مجتمعين) تقل بمراحل ومراحل عن نسبة( غير المحتشدين بالمرة)!! إذن، فنحن أمام فريقين: فريق من المحتشدين( الجوهريين) والمحتشدين( بالعدوي)، في مقابل فريق من( غير المحتشدين بالمرة)، ولكل فريق مميزات وعيوب. أما عن المحتشدين( الجوهريين)، فهم متواصلون للغاية، محددون لأهداف بعينها، يعملون في صفوف منظمة، قادرون علي حشد بعضهم بعضا في زمن قياسي، لا ينطقون عن الهوي،إن هي إلا خطط مدروسة ذات أبعاد استباقية( في كثير من الأحيان) لها جرس ناعم ومحفز في الأسماع، وطموحات( مرحلية) أعتقد أنها لن تقبل بغير( رأس الهرم) بديلا، عمادهم الكر والفر، ولي الحقائق ما استطاعوا إلي ذلك سبيلا من أجل الحفاظ علي درجة سخونة الانفعال الشعبي; فكلما خمدت جذوته( أضرموا) فيه النيران بحجة الوطنية، وسعيهم في ذلك إرباك( الغير)، وتشتيت الجهود!! أما عن المحتشدين( بالعدوي)، فهم أنصار الصوت المرتفع،(تحسبهم جميعا وقلوبهم شتي)، وهم وقود أي شعار ناري ملتهب مبشر بغد أفضل دونما دليل عملي واحد علي ذلك؛ أو وجود بصيص نجاح شاهدناه علي أرض الواقع( حتي تاريخه); ولكنها المشكلة الأزلية للمحتشدين( بالعدوي)، فهم انفعاليون دائما يخلطون بين حقائق الواقع والتفكير الآملwishfulthinking. أما عن( غير المحتشدين بالمرة)، فهم متفرقون، مشتتو الأوصال، لا يحركون الأحداث أبدا، وإنما تحركهم الأحداث دائما; ذلك لأنهم لا يعرفون كيف يشعلون الفتيل، أو قل لم يعلمهم أحد ذلك، وإنما تجدهم يتجاوبون مع الانفجارات الناجمة عن اشتعال الفتيل دائما، وهم غير منظمي الصفوف، يتخافتون بينهم دوما بما يشعرون ولا يجاهرون به أبدا، يحسبهم المحتشدون( وأتباعهم) مطايا للراكبين، ونعاج ستساق لا محالة وقت أن يتقرر ذلك!! غير أن ما لا يدركه المحتشدون و(أتباعهم بالعدوي)، هو أن صميم قوة( غير المحتشدين بالمرة) تكمن في أهم نقاط ضعفهم، وأقصد هنا تفرقهم، وعدم انتظام صفوفهم، وسرية مشاعرهم; ذلك لأن الباحث عن هؤلاء كمثل الباحث عن إبرة في كوم قش داخل غرفة معتمة، فبرغم وجود هذه الإبرة فعلا إلا أنه يصعب علي المرء العثور عليها، فما بالك لو أن هناك(ملايين) من إبر وسط آلاف من أكوام قش متفرقة داخل آلاف الغرف المعتمة( الصامتة) بطول البلاد وعرضها؟! إن الصراع الدائر الآن في هذا البلد هو ليس صراعا بين جموع الشعب وبين السلطة كما يصوره البعض، وإنما هو رهان بين المحتشدين وأتباعهم من ناحية وبين القائمين علي السلطة حاليا من ناحية أخري علي استقطاب( غير المحتشدين بالمرة).. تلك القوة المفتتة غير واضحة الأبعاد أو القوام( أو هكذا تبدو للساذجين)!! وليظل السؤال الحائر حائرا: فأي مغناطيس قوي تراه ذلك الذي سيستطيع جذب أكبر عدد من تلك الإبر؟! ولقد كان للمحتشدين( عمال علي بطال) أكبر صدمة في نتيجة الاستفتاء علي الإعلان الدستوري; ذلك حين جاءت الرياح بما لا تشتهي سفنهم!! ثم كان لهم صدمة أكبر في نتائج الانتخابات البرلمانية; حين جاءت السفن نفسها بما لا تشتهي( رياحهم)!! والسبب من وجهة نظري يكمن في تلك القوة المفتتة غير متوقعة الحسابات، القادرة علي قلب( جميع) الموائد في لمح بالبصر!! تلك القوة التي صم حسني مبارك أذنيه عنها فمادت الأرض من تحت قدميه، ثم ها هم المحتشدون يقعون اليوم في نفس الخطأ، فهم لا يستمعون إلا لبعضهم بعضا متكئين علي الأرائك الثورية متقابلين!! واليوم، ونحن علي أعتاب آخر محك من محكات ثورة بيضاء نبيلة بريئة المطالب والأحلام، وأقصد هنا محك الانتخابات الرئاسية، وبينما النتيجة كما أسلفنا لا تزال2/ صفر لصالح القوة المفتتة، تري هل يمني المحتشدون، المنظمون، المتواصلون(وأتباعهم) بثلاثية نظيفة؟ أم تنتهي المباراة بهزيمتهم(أيضا)1/2؟. نقلا عن الأهرام