إنه زمن العجائب بامتياز. لدينا برلمان تسيطر عليه الأحزاب الدينية أو كما يقال »الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية« ومع ذلك يصبح الأزهر الشريف أحد الأهداف الأساسية لهجمات من يدعون الغيرة علي الإسلام والجهاد في سبيله!! آخر موجات الهجوم علي الأزهر الشريف جاءت في مشروع قانون أمام البرلمان يدعي أنه يريد إعادة الدور التاريخي للأزهر، فإذا به ينص علي ألا يكون الأزهر الشريف هو المرجعية الوحيدة في الشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام«. إنها حلقة جديدة في صراع طويل بين الأزهر باعتداله ووسطيته وانحيازه للعقل والاستنارة، وبين اتجاهات التشدد والتطرف، والمتاجرين باسم الدين ودعاة التكفير والمحرضين علي سفك دماء المسلمين. اختلفنا كثيرا مع مواقف رسمية للأزهر، ومع فتاوي صدرت عنه، ولكن هذا لم يزدنا إلا إيمانا بضرورة الحرص علي هذا الصرح الإسلامي العظيم والسعي لدعم استقلاله وتعزيز دوره، لكي نتحاور جميعا في رحابة، نتفق ونختلف ونحن نسعي لصلاح الأمة ووحدة المصريين.. بلا تخوين أو تكفير أو ادعاء من أحد بأنه يملك الحقيقة وحده. لكن مشكلة البعض أنهم يرون في الاعتدال والوسطية أعداء لمشروعهم، إنهم يريدون الدولة الدينية بينما الأزهر يصر علي أن الاسلام لا يعرف إلا الدولة المدنية. وهم حتي الآن يرفضون الالتزام الصريح بوثيقة الأزهر حول الدولة الوطنية التي تكفل لابنائها جميعا الحقوق المتساوية، ويريدون دفن الوثيقة الأخري التي أصدرها الأزهر الشريف مؤكدا فيها علي حرية الرأي والتعبير والبحث العلمي، لانها تتصادم مع أفكارهم التي تريد إعادة محاكم التفتيش ومصادرة كل رأي مخالف لهم، وسجن الإبداع والمبدعين!! إنهم يسعون بكل الوسائل لاختراق الأزهر والسيطرة عليه، لكن الأزهر الشريف مازال عصيا عليهم ومازال يقاوم هجمة المتطرفين ويتمسك بمنهجه الذي يمثل إسلام المصريين بكل اعتداله وتسامحه. ومن هنا يأتي مشروع القانون الجديد ليقول إن الأزهر ليس هو المرجعية الوحيدة في الشئون الدينية«!! لأن لهم مرجعية أخري يريدون فرضها علي المجتمع. لكنهم واهمون إذا تصوروا أن دور الأزهر الشريف يمكن ان ترثه جماعة »شرعية« أو غير شرعية« وواهمون إذا تصوروا أن راياتهم السوداء يمكن أن تلغي ألف عام من العلم والإيمان والفهم الحقيقي للإسلام، وواهمون إذا تصوروا أن الملايين من شعب مصر ومن الشعوب الإسلامية يمكن ان تتحمل هذا العبث، أو تتسامح مع جريمة في حق الأزهر الشريف نقلا عن الاخبار