أنقذت "اتفاقية البلد المضيف" الرئيس السوداني عمر البشير من الاعتقال في جنوب أفريقيا واستطاع مغادرتها الاثنين الماضي دون أن ينتظر ريثما تفصل المحكمة العليا في بريتوريا بشأن تسليمه لمحكمة الجنايات الدولية التي تلاحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وأوضحت مجلة "جون أفريك" الفرنسية أن البشير كان قد حصل على كافة الضمانات اللازمة من الحكومة الجنوب أفريقية قبل سفره إلى جوهانسبرج حيث شارك رسميا في قمة الاتحاد الإفريقي، ومن ثم كان يتمتع بالحماية بموجب "اتفاقية البلد المضيف" التي وقعها الاتحاد الإفريقي مع الدول الأعضاء بالاتحاد المكلفة بتنظيم القمة خارج مقر الاتحاد في أديس أبابا. وتشدد هذه الاتفاقية - المعنية في معظم بنودها بالشئون اللوجيستية - أيضا على التزام الدول المضيفة بضمان أمن وحصانة المشاركين في أعمال القمة. وتعتبر الاتفاقية "قانونا" ضمنيا احترمته السلطات الجنوب إفريقية دون مراعاة لتطبيق نظام روما الأساسي المنشىء للمحكمة الجنائية الدولية الذي وقعت عليه جنوب إفريقيا في نوفمبر 2000. والتزمت السلطات الصمت في بداية الأمر بشأن مشاركة البشير في قمة الاتحاد الإفريقي إلا أنها بدأت تدريجيا في اتخاذ قرارها وتحمل تبعاته نظرا لموقفها المحير بين التزاماتها تجاه المحكمة الجنائية الدولية وواجبها بصفتها "البلد المضيف" لقمة الاتحاد الإفريقي. وأشاد المؤتمر الوطني الإفريقي - الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا - بقرار الحكومة الخاص بتطبيق التعهد بتوفير الحصانة للمشاركين في مثل هذه القمم الدولية. وجاء في البيان "ترى اللجنة الوطنية التنفيذية للحزب أن المحكمة الجنائية الدولية لم تعد تصلح للأغراض التي أنشئت من أجلها، باعتبارها محكمة تصدر أحكاما نهائية باتة في جرائم ضد الإنسانية". ولا تخفي جنوب إفريقيا - شأنها في ذلك شأن العديد من الدول الإفريقية - انتقاداتها للمحكمة الجنائية الدولية حيث أشارت الحكومة الجنوب إفريقية العام الماضي علانية إلى احتمال إعادة النظر لتعاونها مع المحكمة. واعتبر معظم القادة الأفارقة المشاركين في أعمال القمة أنه لا يوجد ما يدعو لإثارة الجدل حول مشاركة الرئيس السوداني عمر البشير. وأكد وزير الخارجية التشادي موسى فاقي محمد "إنه (البشير) رئيس دولة عضو في الاتحاد الإفريقي. من الطبيعي تماما أن يكون هنا، ولا أرى سببا لتضخيم المسألة". وذهب وزير خارجية إحدى دول وسط إفريقيا إلى ما هو أبعد من ذلك بقوله "نؤيد العدالة الدولية ونعلن انحيازنا لها. في المقابل، نعترض على سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها المحكمة الجنائية الدولية"، في إشارة منه إلى أنها لا تستهدف سوى الأفارقة دون المساس بغيرهم من المسئولين الغربيين. وكان الرئيس السوداني عمر البشير قد وصل مساء السبت 13 يونيو إلى جوهانسبرج للمشاركة في أعمال القمة ال(25) للاتحاد الإفريقي بينما طالبت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي (هولندا) السلطات الجنوب إفريقية باعتقاله نظرا لصدور مذكرتي توقيف دوليتين بحقه عامي 2009 و2010، إحداهما لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والأخرى لارتكابه إبادة جماعية. وأصدرت المحكمة العليا في بريتوريا صباح الأحد 14 يونيو - بعد أن تقدمت أمامها منظمة غير حكومية بدعوى قضائية - قرارا يطالب الحكومة الجنوب إفريقية بمنع الرئيس عمر البشير من مغادرة البلاد لحين فصل القضاء الجنوب إفريقي في طلب تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية. إلا أن قرار المحكمة الذي كان من المتوقع صدوره بعد ظهر الأحد تأجل في نهاية الأمر إلى صباح الاثنين وفي غضون ذلك تقرر منع البشير - نظريا - من مغادرة جنوب إفريقيا لكنه سافر بالفعل صباح الاثنين.