احتضنت أوروبا التطور في الإسلام السياسي مبكرًا ومنذ أوائل 1960 انتقل أعضاء جماعة الإخوان والمتعاطفون معهم إلى أوروبا وببطء لكن بثبات أنشأوا شبكة واسعة ومنظمة تنظيمًا جيدًا من المساجد والجمعيات الخيرية والمنظمات الإسلامية هذه المنظمات تدعي أنها التيار السائد وتبطن سرًا اعتناقا للآراء المتطرفة للإخوان مع تقديم خطاب معتدل خادع ففي الوقت الذي يتحدث ممثلوها عن الحوار بين الأديان والتكامل على شاشات التليفزيون يحذرون في مؤسساتهم من شرور المجتمع الغربي وتستمر في جمع الأموال لحماس وما شاكلها من المنظمات. وقد اكتسب الإخوان في ألمانيا قوة كبيرة مقارنة بأي مكان آخر في أوروبا فخلال الفترة من 1950- 1960 غادر الآلاف من الطلاب المسلمين الشرق الأوسط للدراسة في الجامعات الألمانية رغبة في الفرار من جمال عبد الناصر وقدمت ألمانياالغربية ملجأ لهم وكان سعيد رمضان واحدا من الرواد الأوائل للإخوان في ألمانيا والذي كان سكرتيرا شخصيا لمؤسس الجماعة حسن البنا انتقل إلى جنيف في عام 1958 لدراسة الحقوق في كولونيا وأسس واحدة من ثلاث منظمات ألمانية وهي الجمعية الإسلامية في جيمينشافت التي ترأسها من عام 1958 وحتى 1968 كما ساهم رمضان في تأسيس رابطة العالم المسلم التي تلقت تمويلا لنشر التفسير المتطرف للإسلام في جميع أنحاء العالم وهي الرابطة التي داهمتها حكومة الولاياتالمتحدة في مارس 2002 بحثا عن ملفات تربط الجماعة بالقاعدة وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين. وفي يناير 2004 طلبت لجنة المالية في مجلس الشيوخ سجلات الرابطة كجزء من التحقيق في صلات محتملة بين المنظمات غير الحكومية وشبكات تمويل الإرهاب ويديرهاني رمضان ابن سعيد المركز الإسلامي مع شقيقه طارق رمضان الذي سحبت منه وزارة الأمن الوطني تأشيرة دخوله للتدريس في جامعة نوتردام. وبعد عشر سنوات من رئاسة رمضان للجمعية الإسلامية في ألمانيا قضى الباكستاني الوطني فضل يزداني فترة وجيزة في رئاستها قبل تولي غالب همت وهو سوري يحمل الجنسية الإيطالية فترة إدارتها الطويلة (1973-2002) تنقل فيها ما بين إيطاليا والنمسا وألمانياوسويسراوالولاياتالمتحدة وهو واحد من مؤسسي بنك التقوى وهو تكتل قوي تسميه المخابرات الإيطالية بنك الإخوان وساعد يوسف ندى أحد العقول المالية في الجماعة في تشغيل بنك التقوى وشبكة من مقرات الشركات في مواقع مثل سويسرا وليختنشتاين، وجزر البهاما وهي أماكن تفرض قيودا محدودة على مصادر الأموال ووجهتها. ثم استقال همت من رئاسة الجمعية الإسلامية في ألمانيا وخلفه إبراهيم الزيات الذي كان قائدا للعديد من المنظمات الطلابية. وفي الحقيقة كان رمضان وهمت من بين أبرز أعضاء جماعة الإخوان في النصف قرن حيث قادا بناء المركز الإسلامي المهيب في ميونخ في عام 1960 لتعد الجمعية الإسلامية في ألمانيا، والمركز الإسلامي في ميونخ الفرعين الرئيسين للإخوان في ألمانيا ونمت الجمعية في ألمانيا بشكل كبير على مر السنين وتشمل حاليا على عشرات المنظمات الإسلامية في جميع أنحاء البلاد. وجاء تركيز الزيات على الشباب لإدراكه أهمية الجيل الثاني من المسلمين الألمان فأطلق حملات تجنيد استهدفت المسلمين الشباب في المنظمات الإسلامية وعلى الرغم من عدم توجيه الاتهام إلى الزيات بممارسة نشاط إرهابي لكن لديه تعاملات مالية مشبوهة . وفي حين أن الجناح المصري للإخوان اختار ميونيخ مقرا لعملياته في ألمانيا، اختار الفرع السوري مدينة آخن وهي بلدة قرب الحدود الهولندية والتي باتت موطنا لعدد كبير من المسلمين بما في ذلك عائلة عصام العطار التي فرت من سوريا عام 1950واعتمد مسجد بلال العطار في آخن كقاعدة لعملياتهم واستضافة الإرهابيين الجزائريين المطرودين وارتبط الفرعان المصري والسوري بعلاقات وثيقة حيث تزوج ابن عصام العطار ابنة يوسف ندا. وأثار الزيات شكوك السلطات الألمانية بتأسيسه شراكة مع المسئولين في رؤيا الملة وتعني بالتركية "الرؤية الوطنية" والتي ادعت أنها تدافع عن حقوق السكان الأتراك المهاجرين في ألمانيا ويبقى رئيس الوزراء التركي السابق نجم الدين أربكان رئيس حزب الرفاه الذي حظرته المحكمة الدستورية التركية في 1998 زعيمها بلا منازع حتى لو كان ابن أخيه محمد صبري أربكان هو رئيسها وكان نجم الدين أربكان المتحدث الرئيسي في الاجتماع الأوروبي لرؤيا الملة عام 2002 والذي عقد في مدينة أرنهيم الهولندية حيث ألمح إلى أيديولوجيا رؤيا الملة بعد خطبة عصماء ضد شرور الاندماج في السياسات الغربية والأمريكية وأعلن أربكان وقتها أنه بعد سقوط جدار برلين وجد الغرب في الإسلام عدوا. وتزوج الزيات نجلة أربكان أخت محمد صبري أربكان وتشارك أم الشقيقين أيضا في السياسة حيث تدير منظمة نسوية إسلامية هامة في ألمانيا وتنشط كل من الجمعية الإسلامية ورؤيا الملة في جهودهما الرامية إلى زيادة النفوذ السياسي ليصبحا الممثلين الرسميين للمجتمع المسلم في ألمانيا برمته. ودعت أكاديمية برلين الكاثوليكية الزيات لتمثيل وجهة النظر الإسلامية في لقاء بين الأديان نظمته الأكاديمية في أكتوبر 2002ويشارك ساسة ألمان ومؤسسات مسيحية بشكل منتظم رؤيا الملة في مبادرات متنوعة ويلتقي السياسيون الألمان بانتظام مع مسئولين في رؤيا الملة لمناقشة قضايا الهجرة والاندماج كما أن شخصا مثل أحمد آل خليفة الأمين العام للجمعية الإسلامية الذي مثل الإسلام أمام أعضاء البرلمان الذين يناقشون التسامح الديني دليل على نجاح مساعي المنظمات المرتبطة بالإخوان في نيلها القبول كممثلة للمسلمين الألمان. وفي عام 1989وتحت رعاية عبد الله التركي عميد بجامعة ابن سعود في الرياض، أنشأ السعوديون المجلس الإسلامي في ألمانيا ليدرك المسلمون الالمان في 1994 أن تحالفا موحدا سيترجم إلى قدر أكبر من الأهمية السياسية والنفوذ مكون من تسع عشرة منظمة ينتمي تسع منها إلى جماعة الإخوان وكان رئيس المجلس نديم إلياس وهو طبيب سعودي ألماني مسئول الثقافة باللمنظمة الإسلامية في آخن نجم الصحافة الألمانية بتهم عن الإرهاب وقال جانزارسكى، أحد عناصر تنظيم القاعدة المسجونين حاليا واحد العقول المدبرة للهجوم على كنيس يهودي عام 2002 أن القاعدة جندته في الجامعة الإسلامية في المدينة حيث أرسله إلياس للدراسة.ولم يستطع إلياس أن ينكر أنه التقاه قائلا: من الممكن أن يكون جانزيرسكي، الذي لم يستكمل المدرسة الثانوية واحدا من العديدين الذين أرسلهم عبر السنين للدراسة في المملكة العربية السعودية. لقد اتخذت جماعة الإخوان ومموليهم ألمانيا للانتشار في جميع أنحاء أوروبا ففي فرنسا أصبح اتحاد المنظمات الإسلامية منظمة بارزة في المجلس الإسلامي التابع للحكومة وفي إيطاليايعد اتحاد الجماعات الإسلامية والمنظمات الشريك الرئيسي للحكومة في الحوار فيما يخص القضايا الإسلامية الإيطالية. وبالتوازي مع جهود الاندماج في الاتحاد الأوروبي سعت جماعة الإخوان إلى توحيد ووكلائها الأوروبيين على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية فأنشأت سلسلة من المنظمات الأوروبية وضمت منظمات شبابية من السويدوفرنسا وإنجلترا وبعد ثلاثة أشهراجتمع خمسة وثلاثون مندوبا من إحدى عشرة دولة في مدينة ليستر وأطلقوا رسميا منتدى الشباب الأوروبي المسلم والذي يحافظ على مقره في بروكسل وهو شبكة من 42 منظمة وطنية ودولية تجمع الشباب من أكثر من 26 بلدا مختلفا وأقامت أيضا علاقات مفيدة مع البرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا ومنظمة الأممالمتحدة، ومنتدى الشباب الأوروبي والعديد من المنظمات غير الحكومية على المستوى الأوروبي. لقد ساهمت أموال الإخوان في نجاح التنظيم في أوروبا لكن مازال قبولهم في التيار الرئيسي للمجتمع محل شك ويبدو أن الأوروبيين والألمان يخشون أن يتهموا بالعنصرية وقد شجعت الراديكاليين كالإخوان على أن بإمكانهم إسكات الجميع عبر ادعاء كراهية الأجانب حيث يتبع أي انتقاد للمنظمات المرتبطة بالإخوان صيحات العنصرية والاضطهاد ضد المسلمين. وعلى الرغم من إدراك السياسيين أن هذه المنظمات ليست النظير المثالي في حوار بناء لكنهم في الوقت نفسه لايبحثون عن بديل ولو كان أقل حضورا لكنه أكثر اعتدالا خاصة عندما يتجاهل هؤلاء السياسيون الأصوات المعتدلة التي ليس لديها حظ في الوصول إلى التمويل الخليجي السخي ما يخلق حلقة مفرغة مستديمة من التطرف فكلما زادت الشرعية السياسية لجماعة الإخوان والجماعات الموالية لها سينعكس ذلك على مختلف المجتمعات المسلمة في أوروبا ومن المفارقة أن مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا الذي كان نشر فكره في مصر والعالم الإسلامي حلما لم يكن يحلم أبدا أن تصبح رؤيته واقعا في أوروبا.