حين نزل القرآن الكريم كان التعصب للقبيلة هو محور العلاقات بين العرب، وكان التعصب الديني والعرقي هما محورا العلاقات بين باقي المجتمعات. وقد نهى القرآن عن التعصب: (..وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات 13، فقد جعل تعالى الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا لا ليتعصبوا. والعصبية في اللغة من العصب، وتعني دعوة الفرد إلى نصرة عصبته ظالمين كانوا أو مظلومين، والتعصب يؤدي إلى إقصاء الآخرين معنوياً ومادياً. وتشير الدراسات الاجتماعية الخاصة بعلاقة التعصب بالتدين إلى أن المتدينين منهم من يسعى لتحقيق مكاسب، وبسبب عدم نضج وجدانه الديني يكون أكثر ميلاً للتعصب. ومنهم المتدين الباحث عن الحقيقة وهو منفتح عقلياً ويكون أقل ميلاً للتعصب. وأيضاً منهم المتدين الذي يسعى لتحقيق التكامل بين معتقداته وسلوكه، وبسبب نضج وجدانه الديني يكون بعيداً عن التعصب. ولكن بعد ظهور جماعات الإسلام السياسي أصبح المتدينون السياسيون هم الأكثر تعصباً بسبب التنافس السياسي وصراع المصالح، ومع ذلك لا يصح التعميم على كل الأفراد المنتمين إلى تيارات إسلامية بأنهم الأكثر تعصباً، فقد يكون بينهم أفراد أقل تعصباً من أفراد ينتمون إلى تيارات أخرى. وانتشار ثقافة التطرف الدينى يحتاجها الحاكم المستبد كمبرر لوجوده فى السلطة، ولذلك فهو يحافظ على استمرار ثقافه التطرف، ولكنه يقمع أي تطرف مسلح. وثقافة التطرف الدينى لا تعترف بالديمقراطية، فأفكارهم قائمة على حق الحاكم المطلق فى التحكم فى الناس باسم الدين، وثقافة التطرف الدينى لا تعترف بالمصارحة والشفافية، فأفكارهم قائمة على حق الحاكم في تملك السلطة والثروة، ويرى المتطرفون المنافسون للحاكم المستبد أنهم أحق منه بتملك الثروة والسلطة والسيطرة على الناس باسم الدين. ولذلك فالحاكم المستبد يدعم بقاءه بالحفاظ على عقلية مستبدة يستطيع السيطرة عليها لمعرفته بأهدافها، بدلاً من اضطراره لمواجهة عقليه حرة ديمقراطية لا يستطيع السيطرة عليها. فالتعصب الدينى يبرر للمستبد التفرقة بين المواطنين، ولذلك لا يمنع المستبد تحول التعصب الدينى إلى عنف ضد الأقليات الدينية حتى تضطر للاستنجاد بالمستبد، والذي يلجأ الى الحلول السطحية التى لا تضع نهاية للتعصب، وباستمرار التعصب الدينى تستمر أعمال العنف الطائفى، وبدلاً من وحدة الجميع في مواجهة المستبد، يحدث اشقاق بينهم ويواجهون بعضهم البعض. وبالرغم من الصراع السياسي وأحياناً المسلح بين المستبد والتيار الدينى المتعصب الذي يريد الوصول للسلطة، إلا أنهما يشتركان في منع إصلاح الفكر الديني والذي يقوم بكشفهما. وبعد أحداث العنف والإرهاب التي مرت بها مصر خاصة بعد 30 يونية بسبب بعض المنتمين لتيارات الإسلام السياسي، فإن هناك من ينادى بالمصالحة مع تيار الإسلام السياسى، ولكن الإرهاب الموجود الآن لا يسمح بأى مصالحة، وإلى الآن لم ينكر أحد من قيادات الإخوان العنف الموجود في الشارع. لذلك فلا يمكن المطالبة بالقبول بالمصالحة السياسية معهم في الوقت الحالي، لأن المصالحة لها شروط مثل محاسبة رموز وقيادات الإخوان، واعترافهم بخطأهم ومراجعتهم لأفكارهم، وأن يعملوا على المشاركة في تحقيق الاستقرار, فالحلول الأمنية لازمة ضد العنف والإرهاب، ولكنها لن تكون الحل بالنسبة لمن يريدون نبذ العنف والاندماج في المجتمع.