كانت المفاجأة مدهشة..بقدر ما هي تحمل الأمل، فانها تحمل قبله مزيد من الاحترام والثقة في مستقبل هذا الوطن، وهي ثقة تتسق مع الحاضر الذي يتحرك ولو ببطء..أربكتني المفاجأة للحظات..وسوف أرجئ تفاصيلها إلى نهاية السطور.. لم أكن أعرف هذا الرجل الذي لم يهنأ بمقعده كرئيس لمجلس وزراء مصر؛ فهو يدير الحكومة ( واقفا) أو مترجلا، وهو في حالة طواف دائم على مواقع العمل، ومشاريع الأمل التي انطلق معظمها مع مقدم موكبه، وهو موكب عمل لا مكان فيه للمظاهر الكاذبة، ولا لتحقيق متعة الاحساس بالاهمية، التي يقع في غرامها كنير جدا من أصحاب المناصب الذين تنحصر متعتهم في الاختباء خلف المكاتب الفخمة ودفء مكيفاتها ومشروباتها الساخنة، وعبارات التعظيم والتفخيم والملاءاة الخادعة من معاونيه، اختار رئيس وزراء مصر المهندس ابراهيم محلب، طريقا آخر للعمل، قد يبدو جديدا على المنصب، ولكنه متطابق تماما مع تاريخ هذا الرجل، الذي أتابع سمعته ناصعة البياض منذ كان ( يخدم ) في الكيان العملاق المسمى المقاولون العرب، الذي أنجز مشروعات عملاقة في عهده في أوقات قياسية ولعل أقربها لذاكرتي كان مجلس الشورى بعد احتراقه؛ فأعاده إلى أبهى صورة في خلال أيام. الرجل زار محافظات ومدن وأحياء مصر عدة مرات خلال الفترة التى جاء فيها على رأس الحكومة، شوارع وميادين في العاصمة والمحافظات تغير شكلها تماما الى الافضل، وعمل كخلية النحل، وهذا ليس معناه فقط تخفيف العبء عن المواطن، ولكنه يعني أيضا آلاف من العمال يجدون عملا ونتمنى أن تمتد فترته حتى يسعد برؤية الزهور التي غرسها وهي تتفتح حتى أننى رأيت موكبه المتواضع للغاية في الميدان المجاور لعملي ميدان السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها عدة مرات، وفي أحدها كان متواجدا، وبعد نصف ساعة طالعت خبرا أنه في لقاء عاجل مع فخامة رئيس الدولة، ثم ساعة أخرى لأجد من يقول لي أنه عاد ليتفقد العمل في تطوير محيط ميدان السيدة زينب، وعندما عدت الى منزلي وكان الليل قد أرخى سدائله، قرأت خبرا آخر ينبئ بأن الرجل وصل احدى المناطق العشوائية في زيارة مفاجأة ( بجد ). الرجل اختار لنفسه لقبا يناسبه ويشرفنا وهو: خادم مصر، ومثله في ذلك مثل القائد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يعمل من السادسة صباحا الى ما شاء الله. لست من هواة " التطبيل " وتاريخي معروف لمن أراد وأنصف، ولكن للكلام مناسبة، فقد كنت مسئولا في مطبوعتي الصحفية عن صفحات بريد القراء، واعتدت كما تمرست على تلقي شكاوى وأوجاع الناس وهي أنواع منها الصادق كما ان من بينها المدعي، وكنا نغربل هذه الشكاوى لنختار من بينها ما ننشره، والحق ان العمل في هذا المجال يورث وجع القلب، ولكن يعقبها بهجة تتمثل في ردود وزراء ومحافظين ومسئولين يتحملون مسئوليتهم في الاستجابةالى شكاوى المطحونين، ولكنها المرة الأولى التي يتصدى للمشكلة رئيس وزراء مصر بمنصبه الرفيع وقامته العالية ونحن اعتدنا أن تتحرك الطلبات من أعلى الهرم، ورغم ابتعادي عن هذا الدور الخدمي منذ شهور، الا أن خطابات أبناء ونساء بلدي لا تزال تتدفق اسبوعيا، أقرأها ثم أحفظها بعد أن أدعو لأصحابها بأن يكشف عنهم المولى الضر، وفي أحد الأيام تلقيت رسالة من سيدة متعلمة، صادقة، لم تقل في شكواها أنها "داخت السبع دوخات" لتجد عملا فلم توفق، ولكنها قالت أنها حصلت على الشهادة العليا في مجال متخصص، وانتظرت أن تهل عليها بشارة القوى العاملة لمدة أربع سنوات دون أن تأتي، ثم حدث أن تزوجت، وانجبت، فاختارت أن تربي أولادها ليكونوا صالحين لأنفسهم وللوطن، وبالفعل شب الأبناء، واجتازوا التعليم الأساسي بمساعدة الأم، التي كانت لهم الأم والمدرسة والخادمة والمربية ..وكل شئ.. والآن بعد أن قامت بنصف الدور، وترى ما يعانيه الزوج من مشقة الكدح وراء لقمة العيش وفاتورة الكهرباء..و...و الان تريد الأم أن تشارك بشكل أكبر في رحلة الكفاح والعيش المر، هي تريد أن تعمل، مع عدم تخليها عن دورها كأم، وهي ترى أنها تستطيع أن تكون مشاركة، ومبدعة، في مهمة اعادة بناء الوطن الجارية الان على قدم وساق.. صغت الشكوى في سطور قليلة، وكانت السيدة لا تريد أن تضع رقم هاتفها، وان كانت قد ذكرت رقمها القومي وكافة بياناتها تأكيدا للمصداقية، ودسست شكواها بعد أن زدت عليها رقم هاتفي، في يد معاون معالي رئيس الوزراء، واعتبرت ان مهمتي قد انتهت، حتى فوجئت أمس أمس فقط بعد ايام من تسليم الشكوى بمكالمة هاتفية مبهجة للغاية مضمونها: على السيدة صاحبة الشكوى التوجه صباح باكر لاستيفاء أوراقها استعدادا لاستلام العمل.. هذا هو الرجل الذي أحببت أن أحدثكم عنه.. وهذا هو ( الأمل ) الذي يغرد في سماء مصر المحروسة بعناية الله وأمنه.. شكرا سيدي. للقصة بقية أحكيها: في باكراليوم التالي ذهبت السيدة الى مكتب القوى العاملة في شارع يوسف عباس بمدينة نصر، وأمام الموظفة المسئولة التي قابلت السيدة التي قالت للمواطنة: عندي علم بشكواك..اتفضلي اختاري الوظيفة المناسبة من بين الاعلانات المعلقة على الجدران، وصدمت السيدة وهي تقرأ الوظائف: مطلوب مندوبي أمن في طنطا، واعلان آخر: مطلوب مندوبي مبيعات في اسكندرية، وخيل للمواطنة أنها تقرأ اعلانات الوسيط.....فبكت وعادت الى المسئولة، التي قالت لها: فيه اعلان حلو لسه جاي حالا: الشركة الصينية تطلب مندوبي مبيعات، ولا تشتغلي في شرم الشيخ .. الحكومة معندهاش، فما كان من المواطنة الا أن همست: أربي ولادي أحسن! حتى هذا الوقت لم أكن أعلم ما حدث، فقد استيقظت مبكرا جدا ممتلأ بالنشاط والتفؤل، وقلت لنفسي مصر حلوة ولكننا ظلمناها، هيا كن ايجابيا، وتذكرت بطاقة التموين الخاصة بأسرتي التي ( حفيت) عليها منذ العام 2005 دون اجابة شافية، وفتحت بوابة الحكومة الالكترونية، وجهزت حرفيا المستندات المطلوبة، وهرولت الى مكتب التموين بشارع مصطفى النحاس والذي أصبح آية للجمال تحت اشراف رئيس الوزراء، وكالعادة درت على المكاتب أبحث عمن يسمعني، بعد أن مررني كل موظف الى زميله والحق انني كنت صبورا الى ان وصلت للأستاذ "س" الذي طالبني بصيغة الأمر: هات شهادة من المعاشات، فقلت: أنا ما زلت صغيرا على سن المعاش، من فضلك اسمعني، قال بثقة زائدة: انا عارف هتقول ايه، فهتفت الحكومة عارفاني، استمريت: انا معايا كل الأوراق وكمان مفردات المرتب، قال طيب ياحلو لو مرتبك أكثر من ألف وخمسمائة جنيه ملكش بطاقة عند الحكومة! قلت: ده عكس كل التصريحات المنشورة كما انه لا توجد اشارة له على موقع الوزارة، وكمان ده ضد تخفيف الأعباء التي كلف بها فخامة الرئيس الحكومة وعلى رأسها رئيس الوزراء.. هنا ألقى الموظف "س" بالمولوتوف في وجهي: قائلا طب روح وابعتلي رئيس الوزراء! هل بلغت الجرأة والبيروقراطية هذا المدى؟ وعل كل عندي سؤال: هل ممكن معالي رئيس الوزراء المبجل، النشط المهندس ابراهيم محلب، أن يأتي معي الى مكتب تموين مدينة نصر..أصل أنا وعدت الموظف "س"! [email protected]