انشغل المحللون والمراقبون كثيرا خلال الأيام القلائل الماضية بمتابعة حدود مسؤولية أي من "القاعدة" أو "داعش" في تنفيذ اعتداءات باريس الأخيرة. ورغم أهمية التعرف على حدود المسؤولية في هذه الجريمة على الأقل بالنسبة للمسؤولين الأمنيين والمتخصصين في شؤون الجماعات الإرهابية، فإن النقطة المثيرة للانتباه في هذه المسألة هي حرص التنظيمين معا على إثارة أكبر قدر من التشويش والغموض حول العمليات، التي تجري في الغرب وبالتالي اثارة اللغط حول مسؤولية أي منهما تجاهها. ربما يكون هذا الغموض واللغط مقصودا بحد ذاته لإرباك الأجهزة الأمنية والرقابية في الدول المعنية، ولكن ينبغي الانتباه أيضا إلى وجود احتمالية عالية للتحالف بين هذه التنظيمات والجماعات ولو على مستويات مرحلية. الخطر الذي يرتكبه بعض المتخصصين يتمثل إلى حد ما في وضع حدود تنظيمية فاصلة تماما بين الجماعات الإرهابية، وينطلق من أنها تعمل بشكل منفصل تماما، وهذا أمر ليس صحيحا في المطلق، حيث أثبتت التجارب الماضية أن هذه التنظيمات تقدم الدعم والمساندة لبعضها البعض في أوقات الأزمات والملاحقات التي تواجهها. على سبيل المثال، رغم الخلافات والتباينات التي حدثت بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر وبعض الجماعات الأخرى المحسوبة على التيار السلفي أو غيره، فإن إطاحة نظام حكم الإخوان من الحكم قد جمع الشتات مرة أخرى وأوجد أرضية مشتركة للتلاقي على قاعدة ما يعرف بتحالف دعم الشرعية. كما أن التجربة السورية اثبتت أيضا أن تنظيم الدول الاسلامية قد تعاون غير مرة مع جبهة النصرة الموالية لتنظيم القاعدة في مواجهة تنظيمات أخرى لا تنتمي للمرجعية الفكرية ذاتها. كما أن هذه التنظيمات قد عملت، ولا تزال، إلى جانب بعضها البعض في ليبيا وسوريا ومناطق أخرى من العالم. من الوارد إذا في ظل مخزون التجارب التاريخية القريبة والبعيدة أن يتعاون تنظيم داعش والقاعدة، رغم التباينات الفكرية الظاهرية بين التنظيمين، ولذا من الصعب وضع خطوط فاصلة في العلاقة أو التعامل معهما. فالتعاون والتباعد وارد بدرجات متفاوتة حسب الظروف والمعطيات على الأرض. صحيح أن القاعدة تنطلق من فكرة مواجهة العدو البعيد او ماتعتبره كذلك ممثلا في الدول الغربية، التي تتهمها بالكفر والالحاد، فيما ينطلق تنظيم داعش من مواجهة العدو القريب ممثلا في أنظمة الحكم العربية والاسلامية القائمة والشيعة وغير ذلك من أطراف يضعها هذا التنظيم على قائمة أعدائه، ولكن هذا التباين في المرجعيات لا ينفي احتماليات التلاقي والتعاون، خصوصا أن داعش بات يعاني ضربات التحالف الدولي ضد الإرهاب ما قديدفعه لقبول التعاون مع القاعدة، التي تسعى بدورها إلى العودة إلى نشاطها الذي تراجع بقوة في السنوات الأخيرة. تعاون القاعدة وداعش يمثل أحد السيناريوهات الأخطر في العمل الحركي للتنظيمات الإرهابية، فالقاعدة تمتلك خبرات الجيل القديم الذي خاض حروب عدة في أفغانستان واليمن وليبيا وغيرها من المناطق، بينما يمتلك داعش خبرات احترافية عالية في الدعاية الإلكترونية والاستقطاب والتجنيد عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، فضلا عن خبراته العسكرية أيضا في العراق وسوريا، ومن ثم فإن تعاون هذين التنظيمين يمثل درجة عالية من الخطورة. معالم الخطورة في هذه الحالة تتمثل في جوانب وأبعاد عدة منها أن فكر القاعدة ربما يكون أكثر انتشار من الفكر الداعشي، وبالتالي يصبح من الوارد أن تتحول أي عناصر او خلايا نائمة تتبنى فكر القاعدة إلى العمل من أجل تنفيذ أجندة داعش أو مايتفق عليه قادة التنظيمين، أو حتى اعلان الولاء لداعش كما حدث في بعض دول المنطقة. تحولات الفكر الإرهابي في المرحلة الراهنة تستحق الرصد والمتابعة الدقيقة كونها تمثل انتقالا مهما للجيل الثالث من الإرهابيين، ما قد ينتج دمجا جديدا وجيل أكثر عنفا ودموية من الإرهابيين، أو باتجاه استمرار الخط الأيديولوجي الفاصل بين هذه التنظيمات من دون أن يلغي ذلك احتمالات التعاون بينها فضلا عن تبادل الخبرات، الأمر الذي ينعكس بدوره على رفع القدرات العملياتية والتنظيمية لجماعات الإرهاب بشكل عام.