في خطوة توضح ارتفاع العجز المالي لدولة قطر واتباع سياسة خفض النفقات، لمحاولة تدارك عجز الموازنة العامة، دعا أمير قطر تميم بن حمد في خطاب تحذيري أبناءه لضرورة شد الأحزمة والانتقال لمرحلة التقشف بعد الرفاه الذي عاشه القطريون. وأصبح القطريون يسمعون عن إجراءات لتقليل الإنفاق لم يتعودوا عليها على مدى عقود ماضية، فبالرغم من حالة الرخاء الاقتصادي التي كانت تعيشها الدوحة خلال العقود الأخيرة، إلا أن التقشف أصبح ضرورة ملحة لحكام الخليج بصفة عامة وقطر بصفة خاصة، في ظل تهاوي أسعار النفط، إضافة لإنفاق الدوحة مليارات الدولارات على الفصائل المسلحة في سوريا وليبيا وعدد من الدول العربية والإسلامية الأخرى. وانتقد تميم بن حمد بشدة الثقافة الاستهلاكية عند المواطن القطري، داعيًا إلى تغييرها في التعامل مع الثروة والتخلص من الإسراف والتبذير، ولم يكن تصريح الأمير القطري أول إشارات الدوحة بالاتجاه لتنفيذ إجراءات للحد من عجز الموازنة والذي بلغ 13 مليار دولار للمرة الأولى منذ 15 عامًا، مرشحًا للزيادة، في الوقت الذي بلغ فيه سعر برميل النفط 48 دولارًا. وعلى الرغم من تجنب الأمير القطري التصريح بأرقام معينة حول عجز الميزانية، إلا أن كلماته تشير إلى أن بلاده تتجه إلى موجة من التقشف على غرار حليفتها السعودية، حيث إنه لوح أثناء حديثه بأن قطر سوف تبتعد عن زيادات الإنفاق التي دأبت عليها خلال السنوات العشر الماضية. وكانت الحكومة القطرية قد رفعت أسعار البنزين في يناير الماضي، بنحو 30% و35%، بعد أن كانت تدعم أسعار البنزين والديزل بشكل كبير، كما كان الانخفاض الكبير في عائدات الغاز مع تدهور أسعار الطاقة العالمية أحد أسباب توقعات الحكومة عجزًا في الميزانية، حيث انكمشت صادرات الغازات النفطية وأنواع الغاز الأخرى بنسبة 40% عنها قبل عام إلى 13.18 مليار ريال، أي ما يعادل 3.6 مليار دولار في سبتمبر، وهو ما توقعته وكالة التصنيف الائتمانية «موديز»، حيث قالت في تقرير سابق لها: إن انخفاض أسعار الطاقة سيؤدي إلى خفض النمو الاقتصادي لدول الخليج كافة، مشيرة إلى تراجع أرصدة الحسابات الجارية والموازنات العامة، لكن بدرجات متفاوتة. وتوقعت «موديز» أن يصل العجز المالي في دول الخليج إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري، وهو ما حدث في قطر العام الماضي، حيث جاء العجز فيها أكثر من 12 مليار دولار في 2016. وبينما يؤكد كثيرون أن الدعم الواسع للجماعات والأفراد المنتمين للإخوان المسلمين من ضمن الأسباب التي أدت إلى عجز الموازنة القطرية، وأن الأزمة الاقتصادية قد تكون فرصة للدوحة كي تتخلص من عبء هذه الجماعة، إلا أن مراقبين لهم رأي آخر، وهو أن الميزانيات الكبيرة المخصصة لمشاريع دون جدوى اقتصادية، مثل استضافة كأس العالم لكرة القدم التي قد تصل كلفتها إلى 120 مليار دولار، أو الاستثمار في مشاريع إعلامية وسياسية كان لها الأثر الأكبر في هذه الأزمة. ونقلت رويترز عن مسؤولين قطريين أن رؤساءهم في العمل بدءوا يطلبون منهم السفر على الدرجة الاقتصادية وليس على درجة رجال الأعمال، وذلك في محاولة من الإمارة الخليجية لتقليل النفقات، وقال آخرون إن المؤسسات توقفت عن بعث موظفين لمتابعة الدراسة في الخارج والحفاظ على رواتبهم سارية كما كان عليه الحال في السابق، كما دمجت قطر بداية العام الجاري عددًا من الوزارات، وهو ما أدى إلى فقدان البعض لوظائفهم. وقال أمير قطر في معرض حديثة عن تقليل الإنفاق: "كنا نتوقع أن أسعار الطاقة المرتفعة لن تدوم .. إلا أن أحدًا لم يتوقع حدة الانخفاض وسرعته"، مؤكدًا أن الإمارة استفادت من انخفاض أسعار النفط في اكتشاف إمكانيات الترشيد في الإنفاق، والتمييز بين الضرورى وغير الضرورى، والمفيد وغير المفيد"، مشيرًا إلى أن بلاده ستحول بعض خدمات الصحة والتعليم التى تديرها الدولة إلى القطاع الخاص مع سعيها لتخفيف العبء عن ميزانيتها. ودعا الأمير تميم إلى المراجعة المستمرة لتعريفة ورسوم العديد من الخدمات والسلع؛ لتعبر بشكل أفضل عن تكلفتها الاقتصادية، وتوجيه الدعم نحو الفئات التي تحتاجه وبشكل لا يؤدي إلى الإسراف والتبذير، تطوير وتحديث مؤسسات القطاع العام بهدف الوصول إلى قطاع عام متميز يتمتع بالكفاءة والشفافية، ويخضع للمساءلة.