في الوقت الذي تسيطر فيه التخوفات على الشارع التونسي من التداعيات الاجتماعية للأزمة المتفاقمة، على خلفية إعلان الحكومة التونسية اتخاذ مزيد من إجراءات التقشف ضمن مشروع قانون الموازنة الجديد، بدا واضحًا أن حركة النهضة التونسية التي تشارك في الحكومة غامضة إزاء هذه الإجراءات، فلم تعلن دعمها ولا رفضها لتلك الإجراءات، الأمر الذي وصفه كثيرون بأنه موقف رمادي لا يتناسب مع الظرف الراهن التي تمر به تونس. وتمر تونس في الفترة الأخيرة بحالة من الارتباك الاقتصادي والسياسي، لا سيما مع توسع هوة الخلافات بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة، على خلفية توجهها نحو تجميد الزيادة في أجور الموظفين، والإجراءات التقشفية الأخرى التي اقترحتها ضمن مشروع قانون الموازنة. وبينما انقسمت آراء التونسيين بين مؤيد ورافض اتجاه السياسات الجديدة للحكومة، كان هناك جزء آخر متخوف من أن يؤدي هذا الانقسام إلى تصادم يؤثر على الاستقرارين الاجتماعي والسياسي في بلد سجل إضرابين عامين وطنيين، وعرف ثماني حكومات وأربعة انتخابات خلال خمس سنوات فقط، في نفس الوقت بدا خطاب راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية متدحرجًا، لا يعبر عن سياسة واضحة إزاء تلك السياسات. وقال الغنوشي، السبت، إن التصديق على مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2017 ينبغي أن يراعي مبدأ "التوافق"، معتبرًا أن تونس تمثل استثناء في المشهد العربي"، فكل المشاكل تحل على طاولة النقاش"، معربًا عن أمله في أن «تضحي كل الأطراف لإخراج الوطن من أزمته، بسبب ضعف الموارد في البلاد». ودعا في تصريحاته التي ألقاها في العاصمة تونس أثناء انعقاد ندوة نظمتها الحركة حول قانون الموازنة للعام المقبل، بحضور وزيرة المالية لمياء الزريبي ونواب وخبراء اقتصاديين، إلى "إحياء ثقافة العمل والمبادرة الخاصة والحد من تبديد الثروات"، مشيرًا إلى أن "هناك بعض المؤسسات العمومية المفلسة التي تمتص ميزانية الدولة وتمثل عبئًا عليها". ويرى مراقبون تونسيون أن صراحة رئيس الحكومة التونسية الجديدة يوسف الشاهد في طرح طبيعة الأزمة ومعطياتها ووضع حلول لها أحرجت أصحاب الخطابات الرمادية التي تضع ساقًا بجانب الحكومة وساقًا أخرى مع الغاضبين من القرارات الجديدة، الأمر الذي ظهر بصورة واضحة في حركة النهضة من خلال خطاب الغنوشي الذي لم يقف مع المعارضة للإجراءات الجديدة بكل ثقلة كما في السابق، وأبدى مرونة. وأرجع المراقبون ذلك إلى أن حركة النهضة، التي احتكت بمؤسسات الحكم، اكتشفت أن شعاراتها القديمة حين كانت معارضة ليس لها ما يبررها في الواقع، الأمر الذي أدى الى إرباك المناقشات الخاصة بالقانون الجديد لقيادات حركة النهضة، فهناك من يحاول الدفاع عن الفئات التي يستهدفها التقشف، لكن سرعان ما يتراجع هؤلاء، ويبحثون عن مبررات لتلك الإجراءات، مثل ضعف الموارد وما إلى ذلك. حيث أكد الغنوشي أن تونس بلد ضعيف الموارد، وأن هناك مؤسسات حكومية مفلسة تستهلك إمكانيات الدولة، وهو شيء يتناقض مع تصريحات سابقة قالت النهضة فيها إن تونس غنية، لكن الفساد هو سبب الأزمة. في نفس الوقت صعدت المعارضة التونسية من إجراءاتها المناهضة لمشروع الموازنة الجديد، والذي يصر على اجراءات التقشف لحل الأزمة الاقتصادية، ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل هياكله النقابية والشغالين إلى "التجند للدفاع من أجل حقوقهم والتعبئة والاستعداد للنضال من أجل حقوق العمال بكل الطرق المشروعة"، كما لوحت قيادات نقابية بالإضراب العام دفاعًا عن "مصالح الشغالين والمواطنين والطبقة الاجتماعية الوسطى في البلاد". وتعهد الشاهد، الذي تسلم منصبه في أغسطس الماضي، بإحياء الأمل لدى الشبان المحبطين وتوفير فرص حقيقية، ولكنه قال إن المالية العمومية ومكافحة الفساد وتوفير الأمن ستكون أيضًا من أولويات حكومة الوحدة الوطنية التي تضم طيفًا سياسيًّا واسعًا. ويقول المعارضون للقانون إن مشروع القانون الجديد الذي سيبدأ مجلس النواب في مناقشته بداية نوفمبر المقبل، على أن يتم التصديق عليها قبل نهاية ديسمبر، يقضي برفع حجم الضرائب وإيقاف التوظيف في القطاع العام وتجميد الزيادات في الأجور والترقيات المهنية، فضلًا عن رفع فواتير استهلاك الماء والكهرباء. وأظهرت الموازنة العامة، التي أعلنت عنها الحكومة منذ أسبوع، عن رصد 32 مليار دينار تونسي (نحو 15 مليار دولار) لموازنة الدولة لعام 2017، بعد أن قدّرتها في 2016 بنحو 29 مليار دينار (نحو 13 مليار دولار)، مع توقعات بتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 2.5%.