بعد مرور أكثر من عام على تطبيع الولاياتالمتحدةالأمريكية علاقاتها مع كوبا، وعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، بات من اللازم اتخاذ أمريكا إجراءات تخفف من خلالها الحصار المالي والتجاري والاقتصادي والملاحي الذي تفرضه واشنطن على هافانا منذ عام 1960، في أعقاب الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، لكن قرب انتهاء ولاية الرئيس الأمريكية باراك أوباما قد يفرض خيارات جديدة على العلاقات بين الطرفين. امتنعت الولاياتالمتحدةالأمريكية لأول مرة، الأربعاء، عن التصويت في الأممالمتحدة على قرار يدعو إلى إنهاء الحصار الأمريكي الاقتصادى والتجاري والمالى والملاحي المفروض على كوبا منذ 56 عام، حيث تعتبر هذه المرة الخامسة والعشرين التي تطرح فيها كوبا القرار الذي تم تبنيه بأغلبية 191 صوتًا في الجمعية العامة التي تضم 193 عضوًا، حيث امتنع الحليفان ذوا المواقف المشتركة "الكيان الصهيوني وواشنطن" عن التصويت، ومنذ عام 1992 كانت الجمعية العامة كل عام تتبنى قرارات تدعو لرفع الحظر التجاري عن كوبا، لكن الوثيقة كانت تحظى دائمًا بتأييد الأغلبية الكبيرة من أعضاء الجمعية العامة، في حين كانت تعارض الولاياتالمتحدة وإسرائيل. في ذات الإطار قالت سفيرة الولاياتالمتحدة فى الأممالمتحدة، سامنثا باور، قبل التصويت أمام الجمعية العامة، إن الولاياتالمتحدة صوتت دائمًا ضد هذا القرار، واليوم ستمتنع عن التصويت، الأمر الذي دفع الحضور إلى التصفيق لها، واعترفت "باور" بأن الحكومة الأمريكية تقوم بتغيير سياستها السابقة، لأنها فشلت فى الوصول إلى هدفها الخاص بعزل كوبا، وأنها تسببت فى عزل الولاياتالمتحدة بدلًا من ذلك، وأضافت السفيرة الأمريكية: اليوم خطونا خطوة صغيرة تمكننا من القيام بذلك، ونأمل في أن تكون هناك خطوات أخرى عديدة تنهي الحظر الأمريكي. من جانبه رحب وزير خارجية كوبا، برونو رودريجيز باريللا، بإعلان الولاياتالمتحدة الامتناع عن التصويت على مشروع القرار، ووصف "رودريجيز" هذا التغيير فى السياسة الأمريكية بأنه بادرة مشجعة، وقال: نأمل أن تتم ترجمة هذه الخطوة إلى واقع. إن الحصار المفروض على كوبا جائر وغير إنساني وغير أخلاقي وغير مشروع، ويجب وقفه من جانب واحد ودون شروط. خطوة "غير ملزمة" على طريق تطبيع العلاقات تأتي هذه الخطوة الأمريكية كإجراء مُكمل لمسيرة تطبيع العلاقات بين الطرفين، حيث سبق أن دعا الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الكونجرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون، إلى رفع الحظر عن كوبا في إطار تطبيع العلاقات التاريخية معها، كما أن هذه الخطوة تأتي بعد خطوة مماثلة أقدمت عليها واشنطن في منتصف أكتوبر الجاري، حيث أعلنت تخفيف عقوباتها على كوبا فيما يخص مجالات الأبحاث الطبية والعلمية، وحينها أعلن وزير الخزانة الأمريكي، جاكوب لو، أن هذه المرحلة الجديدة في التقارب يمكن أن تفتح فرصًا أكبر للكوبيين والأمريكيين، حيث ستمكن الأمريكيين من إجراء أبحاث طبية مشتركة مع الكوبيين لغايات علمية أو تجارية، وفتح حسابات مصرفية في الجزيرة في إطار هذه الأنشطة، كما تتيح حصول أدوية مصنعة في كوبا على إذن بيعها في السوق الأمريكية التي تصدرها إدارة الأغذية والأدوية "إف دي إيه". وكانت واشنطن وهافانا استطاعا استعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما رسميًّا في يوليو العام الماضي، حيث بدأ الحديث عن استعادة العلاقات بين الطرفين عندما أبدى الرئيس الأمريكي اعتراضًا على الحظر المفروض على كوبا في ديسمبر عام 2014، وأقر حينها بأن سياسة عزل كوبا عزلت الولاياتالمتحدة، وعلى أثر ذلك بدأ تطبيع العلاقات بينهما، ففي منتصف أغسطس 2015 زار وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، هافانا، وافتتح خلال الزيارة سفارة بلاده هناك، ليكون أول وزير خارجية يزور كوبا منذ أكثر من 70 عامًا، حيث كانت آخر زيارة لوزير خارجية أمريكي لهافانا عام 1945، وفي مارس الماضي قام الرئيس الأمريكي، باراك أوباما بزيارة تاريخية مماثلة للجزيرة، ليصبح أول رئيس أمريكي يزور كوبا منذ الثورة الكوبية في 1959، وتبع الزيارة تبادل للسفراء وإعادة العلاقات الدبلوماسية، ثم قامت الولاياتالمتحدة برفع كوبا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتخفيف العقوبات المفروضة عليها في مجالات الملاحة الجوية المدنية، والبحرية، والبنوك، والتجارة، كما سمحت الولاياتالمتحدة لشركات الطيران الأمريكية بتسيير رحلات جوية لنقل المسافرين بين البلدين. كل الإجراءات والخطوات الأمريكية السابقة تعني أن العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين عادت إلى طبيعتها، لكن استعادة العلاقات التجارية والاقتصادية بشكل كامل بين البلدين لا تزال تتطلب موافقة الكونجرس الأمريكي، فهذا القرار الأممي غير مُلزم، إلا أنه يحمل ثقلًا سياسيًّا، خاصة أن دعوة أوباما للكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون بتغيير السياسات الأمريكية أثبتت فشلها. ماذا عن مستقبل العلاقات؟ سياسة "أوباما" الجديدة المنفتحه على كوبا يمكن أن تتغير بين ليلة وضحاها، خاصة مع قرب انتهاء الفترة الرئاسية لأوباما، وتصريحات المرشح الرئاسي الجمهوري، دونالد ترامب، حول التراجع عن انفتاح أوباما على كوبا، حيث تعهد ترامب في وقت سابق بأن يعيد العلاقات مع كوبا إلى ما كانت عليه قبل قيام الرئيس باراك أوباما باستئنافها، وكتب على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": إن شعب كوبا ناضل لفترة طويلة، سوف ألغي قرارات أوباما التنفيذية وتنازلاته لكوبا حتى يتم استعادة الحريات، كما أحبط رئيس مجلس النواب الأمريكي الجمهوري، باول ريان، الأمل بإنهاء الحظر على كوبا بعد مغادرة أوباما منصبه، قائلًا إنه ينوي إبقاء القيود التجارية على كوبا.