منذ تنحي مبارك عن السلطة في 11 فبراير من العام الماضي بدأت مرحلة انتقالية لدمج الرأسمالية الدينية للإخوان والسلفيين في سلطة الرأسمالية العسكرية بجناحيها (رأسمالية الجيش ورأسمالية عصابة مبارك الدكتاتورية)، وهو ما شهدناه ومازلنا نشاهده من نتائج التحالف بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والإخوان منذ الاستفتاء الدستوري حتى ضمان الخروج الآمن للمجلس العسكري. ولن تبدأ المرحلة الانتقالية لثورة 25 يناير (أو المرحلة الثانية منها) إلا مع استيلاء الشعب على السلطة والبدء في تنفيذ مطالب الثورة (عيش ..حرية..عدالة اجتماعية ...كرامة إنسانية). تبدأ المرحلة الانتقالية للثورة مع إسقاط نظام الدكتاتورية العسكرية والفاشية الدينية وفرض سلطة الشعب. لقد بدأت الثورة تأخذ كامل قوتها عندما رفع الشعب المصري في كل أنحاء مصر شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، وعندما رفع شعار “يسقط يسقط حسني مبارك”، وأسقط الطاغية بالفعل، عاد الشعب المصري ليواجه نظام الطاغية الذي لم يسقط لا بجناحه العسكري ولا الاقتصادي ولا السياسي. وإذا كانت الثورة قد نجحت في الإطاحة بالدكتاتور وبعض رموز عصابته وبوزير الداخلية وبعض أعوانه، وبمجلسي الشعب والشورى والحزب الوطني الفاسد المفسد وبالمجالس المحلية، فإنها لم تنجح حتى الآن في الإطاحة بالسلطة العسكرية في مصر التي استمرت نحو ستين سنة حتى الآن. ولم تنجز الثورة بعد إعادة بناء جهاز الشرطة والقضاء والنائب العام والإعلام من الفساد والاستبداد لإعادة تشكيل أجهزة تخدم مصالح الشعب. لقد نجح التحالف بين رأسمالية العسكر والرأسمالية الدينية في استيلاء الأخيرة على مجلس الشعب والترتيب لوضع سلطة رئاسة الجمهورية في يد من يرضى عنه الطرفان. وقد ينجح التحالف في صياغة دستور بالتوافق بين الطرفين يتيح للمجلس العسكري سلطة التحكم في ثروة القوات المسلحة دون رقابة وهروب المجلس العسكري من المسؤولية الجنائية عن قتل وسحل الثوار وعن الفساد المالي للقادة العسكريين الكبار، ويضمن للرأسمالية الدينية وضع بصمة الشريعة الإسلامية على دستور بعيد تماماً عن دستور الدولة المدنية الضامنة لكافة الحريات والقائمة فقط على حق المواطنة وكل السلطة للشعب. في سبيل فتح الطريق أمام اتجاهات الإسلام السياسي للاستيلاء على نصيب من سلطة الدولة سارع المجلس العسكري بوضع قانون ممارسة الحياة السياسية لا يتيح إقامة أحزاب للفقراء، وأقر قانون لمنع التظاهر واستمر في فرض قانون الطوارئ وقدم الثوار إلى المحاكمات العسكرية، وما زال في سجونه أكثر من 12 ألف سجين. ولم يستطع المجلس العسكري وضع دستور توافقي قبل الانتخابات وسمح بإجازة أحزاب دينية وبالدعاية الدينية خلال انتخابات مجلس الشعب ولم يتصدى للإنفاق المالي الهائل الذي أنفقته أحزاب هذه الاتجاهات خلال الانتخابات، بل وصل الأمر إلى تزييف قاعدة بيانات الناخبين لتحتوي على أسماء مكررة لأشخاص بعينهم، بل وتم تزييف ملايين من بطاقات الرقم القومي لاستخدامها في الانتخابات. وفي المقابل تدخل الاتجاهات الإسلامية في التحالف الأمريكي الإسرائيلي مع المجلس العسكري لضمان بقاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، وبقاء النفوذ الأمريكي على القرار السياسي المصري، ولضمان سلطة مستقلة للمجلس العسكري بعيداً عن مجلس الشعب، بل وسلطة التدخل في المسار السياسي لمصر تحت عباءة مجلس الدفاع الوطني المزمع تشكيله. سيبذل هذا التحالف الرأسمالي كل قواه للمحافظة على مصالحه الاقتصادية والسياسية والتصدي لقوى الثورة الشعبية لتصفيتها، مستخدما في ذلك كل ما لديه من أسلحة من قوات الأمن والجيش والإعلام الحكومي وحتى المليشيات الدينية التي بدأت تبرز ملامحها من الآن من جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى مزاعم مشاركة تشكيلات دينية في حفظ الأمن خلال الامتحانات والانتخابات ولحراسة الميادين. وإذا كانت الرأسمالية الدينية قد نجحت في بذر بذور الانقسام الطائفي خلال استفتاء مارس وخلال انتخابات مجلس الشعب، فمن ليس معهم هو كافر حتى لو كان سنياً غير وهابي مسلماً لا ينتمي إلى تفسيراتهم الوهابية الشكلية للدين أو صوفياً أو شيعياً أو مدنياً أو مسيحياً، فلا طريق أمام هذه الرأسمالية الدينية سوى فرض سلطتها الخاصة ولو عن طريق قضاتها الشرعيين وقواتها العسكرية الخاصة التي تعتبر امتدادا لجهازها الخاص السري القديم، وإمارة بولاق وإمارة سيناء وأمراء الصعيد وللتنظيمات المسلحة للجماعات الإسلامية التي أباحت لنفسها الاستيلاء على ذهب وأموال المسلمين والمسيحيين وإزهاق أرواحهم وقتل السياح في الأقصر وغيرها. في معسكر الثورة المستمرة حتى الآن نجحت ضغوط الميادين ومظاهرات واعتصامات المطالب الاقتصادية لفئات الشعب المختلفة في الحصول على بعض المكاسب الثورية المهمة، على رأسها محاكمة المخلوع وعصابته حتى لو انتهت المحاكمة بأحكام مخففة يتم التغاضي عنها لاحقاً إذا اضمحلت الثورة، وحق التظاهر والاعتصام رغم دم الضحايا والمصابين والسجناء في السجون العسكرية، وأدى الزخم الثوري إلى تراجع قوات الأمن ليتصدر المشهد قوات الجيش والصاعقة العسكرية التي تصدت للثوار أمام ماسبيرو وفي أحداث شارعي محمد محمود ومجلس الوزراء. ونجح معسكر الثورة في انتزاع حق التعبير الذي أصبح قطاع كبير من الشعب المصري يتمتع به الآن، مما دفعه إلى المطالبة بحقوقه الاقتصادية وحقه في تكوين نقاباته المستقلة، فتنامت مظاهرات واعتصامات العمال في شتى القطاعات والفلاحين والطلاب تنتزع حقوقها الآن وفوراً في أجور عادلة وتثبيت العمالة بعقود مؤقتة، وتغيير قيادات الجامعات والمصالح الحكومية. وها هم سكان القرى والأحياء الشعبية ينتفضون لضمان الحصول على السكن والعيش وأنابيب الغاز والبنزين، ومياه الري ومياه الشرب النقية والصرف الصحي. لا سبيل أمام نجاح الثورة الشعبية التي بدأت سوى مواصلة نضال الشباب في الميادين والأحياء الشعبية والقرى من أجل صف قوى الشعب لمواصلة ثورته حتى النصر، وها نحن نرى الآن نتيجة محاولات المجلس العسكري والرأسمالية الدينية تشويه الثورة والثوار وقد تحول السحر على الساحر وانتبه الشباب إلى أهمية النشاط بين الجماهير لكشف حملات الكذب والتشويه المضادة للثورة كما تفعل حملات كاذبون ومكملين وغيرهما. وها نحن نرى انضمام أجيال جديدة في أعمار صغيرة إلى قوى الثورة، وسوف تستمر عمليات الفرز والاصطفاف وإعادة الفرز والاصطفاف والمزيد من الروح الثورية للتمييز بين من هم في صف الثورة ومن هم ضدها.