في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها المملكة العربية السعودية، تسعى إلى البحث عن أي منافذ لتوفير النفقات وتقليل عجز الموازنة وزيادة عوائدها المالية التي تراجعت جراء انخفاض أسعار النفط والأزمات الطاحنة التي ورطت المملكة نفسها فيها، وعلى رأسها الأزمة اليمنية ودعم المسلحين في سوريا. إجراءات التقشف تتسع بعد أن اتخذت السعودية إجراءات تقشفية طالت الوزراء قبل أسابيع قليلة، وتضمنت تخفيض رواتب الوزراء وكبار موظفي الدولة بنسبة 20%، ووضع حد أقصى على العطلات والخدمات الأخرى للموظفين، وتخفيض مكافآت أعضاء مجلس الشورى ال160، والإعانات المخصصة لهم لأغراض السكن، اتجهت السلطة السعودية مجددًا إلى البحث عن طرق جديدة لتنفيذ إجراءات تقشفية تطال العديد من الأمراء والأميرات في الأسرة السعودية الحاكمة، حيث قررت الرياض وقف العديد من الامتيازات المالية والمخصصات التي جرت العادة أن يحصل عليها أمراء وأميرات الأسرة الحاكمة، مثل مخصصات السفر. ومن المقرر أن تفرض الحكومة السعودية ضريبة أرباح على شركات الاتصالات العاملة في المملكة بمقدار 5 %، بدل ترخيص، كما يتوقع اقتصاديون سعوديون أن تفرض الحكومة خلال الفترة القليلة المقبلة ضريبة مبيعات على فواتير مستخدمي الاتصالات، اعتبارًا من أول العام المقبل ضمن ضريبة القيمة المضافة التي ستفرض في السعودية ودول الخليج العربي الأخرى. كان الملك سلمان بن عبد العزيز، أمر بوقف معاشات عضوية مجلس هيئة البيعة الممنوحة للأمراء الأعضاء فيها، الأمر الذي يشير إلى حلها من دون صدور قرار رسمي، وهذه الهيئة تعتبر من أبرز تركات الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، حيث أنشأها قبل عشر سنوات على أن تكون مهمتها مبايعة الملك والموافقة على من يرشحه وليًا للعهد أو ترشيح بديل. الإجراءات التقشفية السعودية التي تتوالي يومًا بعد يوم لم تقف عند هذا الحد، بل قررت السلطات السعودية المعنية وقف الصرف على العديد من المشاريع الاقتصادية الضخمة بسبب قلة السيولة، مثل مشروع خط القطار الذي سيصل بين الرياضوجدة والمسمّى ب"الخط البري"، وهو المشروع الذي كان مجلس الوزراء كلف إحدى الشركات بإنشائه منذ نحو خمس سنوات، وأصبح من المشاريع المتعثرة رغم تصنيفه من مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية في المملكة، وتقدر كلفته بنحو 60 بليون ريال. كما قررت المملكة في مطلع أكتوبر الجاري، تطبيق العمل في الوزارات والأجهزة الحكومية السعودية بالتقويم الميلادي بدلًا من الهجري، خلافًا لنظام المملكة الساري منذ إنشائها قبل نحو 86 عامًا، الأمر الذي سيخفض النفقات على الدولة، خاصة أن اعتماد التقويم الميلادي سيخسر كل موظف ما يقارب أجر نصف شهر من راتبه السنوي، فيحصل الموظف بعد تطبيق القرار على راتبه الشهري في ال25 من كل شهر ميلادي، بدلًا مما كان متبعًا سابقًا في حصول الموظف على المرتب كل 25 يومًا من الشهر الهجري، إذ تنقص السنة الهجرية بنحو 15 يومًا عن الميلادية. صفقات سلاح جديدة بالمليارات التناقض السعودي لايزال يتحدث عن نفسه جراء تصرفات النظام الملكي الحاكم، ففي الوقت الذي تبحث فيه السلطات عن أي طريقة للتقشف وتوفير النفقات، تأتي الأنباء التي تتحدث عن عقد صفقات سلاح بالمليارات بين المملكة وإحدى الدول الأوروبية أو الغربية الطامعة فيما تبقى داخل الخزينة السعودية، حيث كشفت شركة "بي أيه اي سيستمز" بأنها تبحث مع السعودية صفقة سلاح تبلغ قيمتها مليارات الجنيهات الاسترلينية، وتتضمن الصفقة تعاونًا لمدة 5 أعوام بين شركة "بي أيه اي" والحكومة البريطانية والسعودية، وسوف تقوم الشركة البريطانية بالصيانة طائرات الهوك السعودية والتطوير، وستبيع "بي ايه اي" 48 مقاتلة تايفون بسعر 4 بلايين جنيه استرليني، فيما أكدت الشركة أنها بصدد صياغة الأطر والشروط للتعاون العسكري خمسة أعوام مقبلة مع السعودية. غضب شعبي الشعب السعودي الذي اعتاد على العيش في الرخاء لم يكن يتوقع أن تقوده سياسات أمرائه وملوكه إلى هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة، حيث عجت الحسابات السعودية على مواقع التواصل الاجتماعي، بالانتقادات والسخرية التي أخذت تلقي اللوم على منظومة الفساد التي أوصلت البلاد إلى الأزمة الاقتصادية التي تشل المملكة اليوم، والحروب التي أدخلتهم في منعطفات تاريخية، حيث عبر المواطنون عن سخطهم من الحرب على اليمن، معتبرين أنها السبب في الإفلاس والتقشف، بينما لم تستشرهم الحكومة في شن الحرب ولم تكن حربًا للدفاع عنهم، بل إرضاء لغرور الأمراء، وجاء على رأس المُنتقدين ولي ولي العهد، وزير الدفاع، محمد بن سلمان. خرج بعض الاقتصاديين لينتقد خطة "بن سلمان" المعروفة باسم "الرؤية الاقتصادية 2030" التي أعلنها في أواخر أبريل الماضي، حيث رأى الخبير الاقتصادي السعودي، فهد القاسم، أن التطبيق يُنذر بنتائج كارثية، وفي حين تفترض الرؤية أن السعودية تستطيع العيش بدون نفط بحلول عام 2020، وتحقيق الرفاه للمواطن السعودي، علّق "القاسم" على بنود الخطة قائلًا: حاليًا التحول إلى جيب المواطن وليس للنفط، مشيرًا إلى أن المواطن السعودي يترقب ولا يعلم البؤس الذي سيأتيه غدًا.