في الوقت الذي تستعد فيه السلطات والقوات المسلحة العراقية لإطباق الحصار على محافظة الموصل وقطع خطوط الدعم والمساندة التي تتلقاها الجماعات المسلحة، ومع معاناة الحكومة العراقية من فراغ أهم المناصب القيادية "وزارات الدفاع والداخلية والمالية"، تأتي تركيا لتضيف المزيد من الأزمات على الحكومة العراقية، وتُصعد الغضب السياسي والشعبي وتشعل قضية تقسيم العراق على أساس طائفي. منذ أيام قليلة أعلن رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، أن معركة تحرير الموصل من سيطرة تنظيم داعش باتت وشيكة، وقال العبادي: أصبحت الخطوة التالية لتحرير مدينة الموصل بعد تحرير مناطق مهمة في الآونة الأخيرة وشيكة، والتحضيرات حاليًا قائمة على قدم وساق، وهناك انتصارات تحققها القوات العراقية على الأرض، وفي ذات الإطار، أعلنت وزارة الدفاع العراقية عن تسلم رئيس الحكومة الخطة الكاملة لتحرير الموصل، ولفتت الوزارة إلى أن العبادي، هو من سيقرر موعد انطلاق العملية، وأشارت إلى أن الخطة الموضوعة متكاملة من الجوانب العسكرية والاستخبارية وكذلك الإنسانية والخدمية بمواكبة من وزارتي الصحة والهجرة وغيرهما لإغاثة النازحين وتقديم العون للقوات المسلحة. بعد ساعات من إعلان العبادي ووزارة دفاعه عن التحضير الجدي لمعركة الموصل، اتخذ البرلمان التركي قرارًا لتثبيت أقدام قواته في كل من سورياوالعراق، إذ أجاز، السبت الماضي، بغالبية كبيرة للجيش التركي مواصلة مهماته في العراقوسوريا لعام إضافي، وحظي القرار بموافقة نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم وزملائهم الاشتراكيين الديموقراطيين في حزب الشعب الجمهوري ونواب حزب العمل القومي، وبناء عليه يستطيع الجيش التركي التحرك حتى نهاية أكتوبر 2017 خارج حدود بلاده، وخصوصًا في العراقوسوريا. القرار التركي تبعه تأكيد من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن قواته ستظل في العراق بل ستشارك في المعارك القادمة دون استشارة أحد، حيث أكد الرئيس التركي، السبت الماضي، مشاركة جيش بلاده في عملية استعادة الموصل شمالي العراق، وقال أردوغان، في كلمة له أمام أعضاء برلمان بلاده، إن قوات بلاده سيكون لها دور في عملية استعادة مدينة الموصل، مشيرًا إلى أنه لا يمكن لأي جهة منع ذلك، ودعا إلى المحافظة على التركيبة السكانية لمدينة الموصل، وقال إنه يجب أن يبقى فى الموصل عقب تحريرها من العناصر الإرهابية سكانها من السنة التركمان والسنة العرب والسنة الكرد، مؤكدا أن الموصل لأهل الموصل وتلعفر التى يعيش فيها نحو 70 ألف تركمانى لأهلها، ولا يحق لأحد أن يأتى ويدخل هذه المناطق، حسب قوله. تصريحات أردوغان حول التدخل في معركة الموصل، أثارت غضب وسخط بل وسخرية العديد من السياسيين والهيئات والمؤسسات الرسمية في العراق، حيث عدت الخارجية العراقية تصريحات تركيا بشأن معركة تحرير الموصل "تدخلًا سافرًا"، وقالت إنها تعبر عن رفضها للتصريحات المتكررة الصادرة عن الرئيس التركي بخصوص معركة تحرير الموصل، والتي مثلت تدخلًا سافرًا في الشأن الداخلي العراقي وتجاوزًا لمبادئ العلاقات الثنائية وحسن الجوار، وأضافت الوزارة: تصريحات ومواقف القيادة التركية تمثل إزعاجًا وتعكيرًا للعلاقات المرجوة بين البلدين، كونها أهملت كافة المواقف والدعوات الدولية الداعية إلى سحب القوات التركية المتسللة قرب مدينة بعشيقة واحترام السيادة العراقية، واختتم بيان الخارجية بالتأكيد أن معركة تحرير الموصل من براثن داعش ستكون بأيادي العراقيين وحدهم دون الحاجة إلى الانجرار لأي شكل من أشكال الأقلمة لهذه المعركة، أو فسح المجال لجعلها ساحة من ساحات صراع الإرادات الدولية. من جانبه، أكد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، على موقف العراق الرافض لتواجد قوات تركية على الأراضي العراقية، كما عبر عن استغرابه إزاء تصريحات الرئيس التركي، وأشار إلى أن تركيا ليس لها أي دور في العمليات العسكرية ضد التنظيم، فيما أبدى عدم رغبته بحدوث تصادم مع القوات التركية المتواجدة في شمال العراق، وشدد رئيس الوزراء على أن وجود القوات التركية غير مرحب به، مبرزًا أنها عرقلت الجهود العراقية في محاربة تنظيم داعش. لم يقتصر الغضب من تصريحات الرئيس التركي على القيادات والمؤسسات العراقية فقط، بل امتدت إلى الأحزاب السياسية، حيث اعتبرت حركة "عصائب أهل الحق" المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي، أمس الاثنين، أن تصريحات أردوغان "وقحة" وتمثل اعتداء على سيادة العراق بوجه طائفي مقيت، فيما دعت الحكومة العراقية إلى الإسراع بحسم موضوع التواجد التركي وإنهائه قبل بدء انطلاق عملية تحرير الموصل، وقال المتحدث باسم الحركة، نعيم العبودي: تتكشف أمامنا يومًا بعد آخر وجوه أعداء العراق الذين يعملون على تقسيمه وإضعافه من أجل السيطرة على خيراته ومقدراته، وتابع: تصريحات أردوغان أثبتت وقوف تركيا والسعودية وراء حملة داعش في الموصل التي استهدفت أبناء المكون المسيحي والإيزيديين والشبك، كما أنها تعكس استهانة تجاه الموقف العراقي الرافض لتواجد القوات التركية في الموصل. من جانبها، أصدرت الأمانة العامة لمنظمة "بدر"، بيانا طالبت فيه البرلمان العراقي باتخاذ موقف وطني موحد، إزاء قرار برلمان تركيا إبقاء تواجد القوات التركية في شمال العراق، وأضاف البيان أن القرار التركي يعتبر خرقًا للأعراف والقوانين الدولية، وانتهاكًا لسيادة العراق، وقالت إن ما يزيد قلقها تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوجوب مشاركة قوات بلده في تحرير الموصل. هذه لم تكن المرة الأولى التي تطالب فيها العراق الجارة التركية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، حيث سبق أن طالب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الحكومة التركية مرارًا منذ ديسمبر الماضي، بسحب قواتها المتمركزة في قاعدة بعشيقة في محافظة نينوى بالعراق، وهو ما لاقى تعنتا تركيا انتقدته العديد من الدول وعلى رأسها روسيا وإيران، ووصل الأمر إلى مطالبة الحكومة العراقية لمجلس الأمن بتحمل مسؤولياته وفقًا لأحكام ميثاق الأممالمتحدة.