يمثل التسرب من التعليم إحدىس الظواهر الخطيرة التي تشهدها مصر، ورغم تعدد أسبابه، إلا أنها جميعًا تدور في إطار الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها قطاع كبير من الشعب المصري، وتضطر كثيرًا من أولياء الأمور إلى إخراج أبنائهم من المدرسة، والدفع بهم إلى سوق العمل لمساعدة الأسرة. "البديل" التقى عددًا من الأطفال وأولياء أمورهم، ممن حرمتهم ظروف الحياة من التعليم. مصطفى, 11 عامًا، يعمل بائع بالونات وغزل بنات بالمعادي, قال: "والدي أجبرني على الخروج من المدرسة من الصف الرابع الابتدائي, بسبب عدم قدرته على دفع المصروفات، وعندما خرجت من المدرسة أجبرني على العمل معه في بيع البالونات وغزل البنات، وأقف هنا أمام النوادي، ثم أتوجه نحو أي طفل مع أسرته حتى يطلب بالونة أو كيس غزل". علياء, طفلة تبلغ من العمر 14 عامًا، تعمل بائعة مناديل في إشارات المرور, تروي قصتها قائلة: "لديَّ 4 إخوة أنا أكبرهم، والدي عامل بمصنع غزل ونسيج، ووالدتي تعاني من مرض هشاشة العظام ولا تعمل, والدي أجبرني على الخروج من المدرسة عندما كنت في الصف الخامس الابتدائي بمدرسة كفر نصار، لعدم استطاعته دفع المصروفات وشراء الكتب الخارجية وسداد ثمن مجموعات التقوية، خاصة أنني لم أكن أستوعب جيدًا في الفصل؛ نظرًا لكثرة الأعداد, فخرجت لأعمل خادمة بالمنازل حتى أتمكن من مساعدة والدي في تربية إخوتي وتوفير نفقات علاج أمي". وأضافت: "أحيانًا أشعر أن والدي ظلمني لأنه اختارني لتحمل مسؤولية الأسرة معه وحرمني من التعليم، وأحيانًا أرى أنه لم يكن أمامه حل سوى ما قام به، خاصة أن تكلفة علاج والدتي باهظة". أحمد، 13 عامًا، قال إنه اضطر هو وشقيقه لترك المدرسة بعد وفاة والدهما دون أن يترك للأسرة معاشًا أو مصدر رزق، ووالدتهما تعمل خادمة بالمنازل، مما اضطرهما للعمل للمساهمة في مصروفات البيت. زين الدين، لم يتعد ال13 من عمره, ترتسم على وجهه براءة الأطفال، يعاني إعاقة بصرية تصل إلى حد العمى, يقول: "كنت أدرس في معهد أزهري قبل وفاة والدتي التي كانت تعمل موظفة، واضطر والدي إلي إخراجي من المعهد معللًا ذلك بأنه ليس لديه وقت كافٍ لمتابعتي في الدراسة أو توصيلي إلى المعهد، خاصة وأنه اضطر للعمل بوظيفة أخرى؛ حتى يستطيع تعويض راتب والدتي الذي كان يعينه على الحياة". من جانبهم وصف عدد من الأهالي قرار إخراج أبنائهم من التعليم بأنه قرار صعب، معتبرين أنهم "ذبحوا أبناءهم" بحد تعبيرهم، ولكن "ما باليد حيلة". أبو شادي، بائع في مطعم، أكد ل"البديل" أن قلبه كان "يتمزق" حين أجبر ابنه على الخروج من المدرسة، وقال: "لديَّ 5 أبناء جميعهم في سن التعليم، ولا أستطيع تحمل مصاريف تعليمهم ومأكلهم وملبسهم، لذا اضطررت إلى حرمان ابني شادي من التعليم حتى يعمل لمساعدتي على تربية إخوته", وأضاف: "قد يراني البعض أنانيًّا لا أفكر في مصلحة أبنائي.. كنت أتمنى أن يكمل أبنائي تعليمهم، خاصة شادي أكبر أبنائي، وتمنيت أن أراه أفضل مني، ولكني بشر لم أتحمل الظروف". وتقول سمية فرغلي: "زوجي توفى وترك لي ولدًا وبنتًا حاولت جاهدة أن أعلمهما، وعملت في محل كوافير، وعملت بمغسلة، وحاولت مرات كثيرة، ولكن الراتب الذي أتقضاه لا يكفي لمصروفات المدرسة رغم أنها مدارس حكومية، ولكن الدراسة تستلزم أشياء أخرى مثل الكتب الخارجية والدروس الخصوصية ومجموعات التقوية التي يفرضها المعلمون على التلاميذ"، وأضافت: "كنت أتمنى أن أرى ابني مهندسًا، ولكن ما باليد حيلة، اضطررت إلى إخراجه من الدراسة حتى يساعدني على متطلبات الحياة، خاصة أن صحتي لم تعد مثلما كانت من قبل، وأصبت بالسكر والضغط". سيد عبد الله، عامل بمصنع غزل ونسيج، قال "اضطررت إلى حرمان ابنتي من التعليم بعد أن نهش السرطان جسدي"، وتابع "أصبت بمرض السرطان، وحاولت أن أستخرج قرارًا بالعلاج على نفقة الدولة ولم أتمكن، مما اضطرني إلى إخراج ابنتي من التعليم حتى تعمل وتنفق على أختيها الأصغر منها سنًّا", وأضاف: "كنت أحلم أن أرى ابنتي تستكمل تعليمها، ولكنني مريض لا أستطيع العمل الآن، لذا اضطررت أن أبحث عن وظيفة لابنتي ذات ال14 عامًا، وبالفعل هي تعمل الآن عاملة بمصنع الغزل والنسيج الذي كنت أعمل به". من جانبه قال أحمد مصيلحي، رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين، إن الأطفال تحت خط الفقر يمثلون نسبة 25% من إجمالي عدد الأطفال بحسب الإحصائيات الرسمية، وهي نسبة لا تدخل ضمنها شريحة أطفال الشوارع أو أطفال العشوائيات، ولكنها تقتصر على الأطفال الذين يمكثون مع أسرهم. وأضاف ل"البديل" أن وجود ربع أطفال مصر تحت خط الفقر يمثل نسبة مرعبة, مشيرًا الي أن أسرًا كثيرة تلجأ إلى حرمان أبنائها من التعليم ليس استغلالًا لهؤلاء الأطفال ولكن لحاجتها الماسة لعملهم، رغم أن وزارة التضامن الاجتماعي تقدم دعمًا قدره 60 جنيهًا شهريًّا معونة لكل طفل، و320 جنيه شهريًّا للأسر المحتاجة، ولكن هذا المبلغ، رغم ضآلته، لا يصل إلى عدد كبير من الأسر؛ بسبب ضعف الأجهزة الحكومية والإدارية المتهالكة عن حصر هؤلاء الأطفال بشكل دقيق, مطالبًا الدولة بالتدخل لإنقاذ الأطفال من أبناء الأسر الفقيرة؛ حتى لا يتحولوا إلى مجرمين وفاقدين للانتماء.