«الأسطي بلية، مبيض محارة، صبي المكوجي».. ألقاب التصقت بعدد كبير من الأطفال تجاوز ال3 ملايين، يعملون دون بلوغ السن القانوني، بحسب التقرير الذي أصدرته منظمة اليونيسيف. ورغم زيادة العدد سنويا، إلا أن الحكومة والجهات المختصة لازالت تجاهل الكارثة، وتكتفي بالتصريحات الإعلامية التي تحمل وعودا وردية بالقضاء على ظاهرة عمالة الأطفال في سن صغيرة. عمالة الأطفال في مصر ظاهرة تخالف جميع المواثيق والاتفاقات الدولية، وكذلك تخالف القانون الداخلي، الذي ينص على «عدم جواز استغلال الأطفال في سوق العمل دون بلوغ سن التعليم الأساسي، أي قبل 15 عاما». التقت «البديل» بعدد من الأطفال الكادحين في سوق العمل، ممن لم يتخطوا الرابعة عشر من عمرهم، ليرووا آمالهم وآلامهم، مستغيثين بالمجلس القومي للأمومة والطفولة، ووزارتي القوي العاملة والتضامن الاجتماعي، بضرورة أن ينتبهوا إلى الكارثة التي يدفع ثمنها أطفال أبرياء في عمر الزهور. أحلام بريئة تغتالها الحاجة رغم علامات الشقاء التي ترتسم علي وجوههم، لكنها لم تتمكن من طمس براءة طفولتهم التي تظهر في ابتساماتهم, فجل أحلامهم لعب لعب كرة القدم في الشارع أو العودة إلى المدرسة، إنهم الأطفال الذين افترسهم المجتمع ويدفعون ثمن فقر أسرهم. «أ.د».. طفل يبلغ من العمر 11 عاما, يقول: «والدي يعمل مبيض محارة ولدي 6 أخوات، أنا أكبرهم، أبي أجربني علي الخروج من المدرسة منذ عامين، وأرسلني إلى ورشة لتصليح السيارات حتى أعمل بها»، مضيفا: «كنت أحب أصدقائي في المدرسة، وكنت متفوقا بالدراسة، لكن مصاريف أشقائي أجبرتني علي ترك التعليم، رغم أنني كنت أتمنى أن أكون ضابطا»، شاكيا: «الأسطى أحيانا كثيرة يسبني ويضربني، وعندما شكوت لوالدي قال لي: بيضربك علشان يشربك الصنعة!». ويقول الطفل عبد الله السيد، 14 عاما ويعمل في أحد ورش تصليح السيارات: «والدي توفى منذ ثلاث أعوام، واضطررت إلى أن أعمل حتى أستطيع تغطية مصاريف أشقائي الأربعة، خاصة أن والدتي تعمل خادمة في المنازل، لكنها لا تستطيع سد مصاريف أخوتي»، مضيفا: «لا أخجل أن أذكر اسمي، ولا أخجل أن يناديني أحد بلقب الأسطي عبد الله، فظروفي أجبرتني أن أعمل صبي ميكانيكي؛ حتى أساعد والدتي وأشقائي الأصغر على الحياة، بعدما تخلت عنا الحكومة، وأتمني أن أمتلك ورشة عندما أكبر». وبأسى يقول الطفل ر.ح، 12 عاما ويعمل في أحد مطاعم منطقة وسط البلد: «والدي أحضرني إلى المطعم، وطلب مني أن أطيع صاحب المطعم»، متابعا: «أعود إلى المنزل في نهاية اليوم، بعد تنظيف المطعم، وأذهب صباح اليوم الثاني؛ حتي أواصل التنظيف وترتيب الكراسي قبل حضور الزبائن، ومستطردا: «عندما أرى الأطفال قادمين مع أهاليهم لياكلوا في المطعم، وأنا أعمل، أشعر بضيق شديد، وأتمنى أن أعيش مثل الأطفال في عمري». «تركت أمي وأبي وأشقائي، وجئت من البلد لأعمل بتوصيل الطلبات في بقالة عم شرف».. هكذا تحدث الطفل سعيد صاحب ال9 أعوام، قائلا: «أبي جاء بي من البلد وسلمني لعم شرف، وطلب منه أن أعمل لديه في توصيل الطلبات، وأقوم أيضا بتنظيف المحل يوميا، وكل شهر يأتي أبي ليأخذ راتبي من صاحب المحل ويعطيني جزءا منه»، مضيفا: «أتمنى أن أعود إلى البلد حتى أرى أصدقائي، وألعب الكرة مرة أخرى معهم». قانونيون: الحكومة تشارك في الجريمة أكد عدد من القانونيين أن الجهات المعنية في مصر لا تمارس دورها بشكل فعال لحماية الأطفال من الاستغلال، ما أدى إلى تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال، بالمخالفة للمادة 80 من الدستور التي تجرم عمل الأطفال. يقول أحمد مصيلحي، رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين، إن أوضاع الأطفال في مصر تتفاقم، فلم لا يقتصر الأمر على العمالة دون السن القانونية فقط، بل تطرق إلى الهجرة غير الشرعية للأطفال، وكان آخرها مراكب رشيد منذ أيام قليلة، مشددا على أن الجهات الحكومية تعاني من ضعف شديد في مواجهة أزمة حماية الطفل بمصر، خاصة أن ملايين الأطفال يروحون ضحية استغلالهم في العمل. وأضاف مصيلحي ل«البديل» أن عددا كبيرا من أطفال مصر يعيشون تحت خط الفقر، ما يعد أبرز الأسباب لتفاقم ظاهرة عمالة الأطفال، إلى جانب غياب دور الأجهزة الحكومية، خاصة المجلس القومي للأمومة والطفولة الذي يعتبر صاحب الدور الرئيسي رسم سياسة لحماية الأطفال، مؤكدا أن السبب الأساسي في انتشار الظاهرة، يكمن في عدم وجود حصر دقيق للأعداد أو دراسة دقيقة لحجم المشكلة. وطالب رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين، الدولة بضرورة تفعيل قوانين حماية الطفل، وأن تمارس وزارة القوي العاملة دورها؛ بالضبطية القضائية لأي شخص يستغل طفلا في العمالة، بالمخالفة للمادة 80 من الدستور التي تجرم عمل الطفل قبل بلوغ سن التعليم الأساسي أي قبل 15 عاما، وبعدها يبدأ التدريب على بعض الأعمال بشرط أن تتوفر له البيئة المناسبة والتنشئة والصحة والأخلاق أيضا، موضحا: «بعد سن 15 حتى 18 عاما، يمكن عمل الطفل بشروط، منها تحديد ساعات معينة للعمل». وتابع مصيلحي أن آلاف الأطفال راحوا ضحية بعض الأعمال الخطيرة، مثل المحاجر والمدابغ وغيرها من الأعمال التي تصيبهم بالأمراض التي قد تودي بحياتهم، مطالبا وزارة التضامن الاجتماعي بضرورة تعويض أي أسرة فقدت عائلها؛ حتى لا يتحمل الطفل مسؤولية إعالة أسرة وأثناء سن الطفولة. وأكد الدكتور كريم عبد القادر، محامي متخصص في شؤون الطفل، على ضرورة تفعيل مواد القانون التي تجرم عمالة الأطفال، لافتا إلى أن نسبة كبيرة من الأطفال يستغلون من قبل أهاليهم لزيادة دخل الأسرة، حتى إذا لم تفقد من يعولها، بل العديد من الآباء يقدموا أبناءهم إلى ورش تصليح السيارات أو العمل في المنازل كنوع من أنواع الدعم المادي للأسرة، وهو ما يجرمه القانون. وطالب عبد القادر بضرورة توفير رعاية اجتماعية للأسر الفقيرة من قبل وزارة التضامن الاجتماعي؛ حتي لا يجبروا أبناءهم علي الدخول إلى منظومة العمل في سن الطفولة، مؤكدا أن أصحاب العمل يستغلون الأطفال ويعتدون عليهم بالضرب، ما يولد لديهم الانحراف، ويزيد من تفاقم ظاهرة أطفال الشوارع، مختتما: «الحكومة هشة، ولم تفعل القوانين لحماية الأطفال بمصر، والوزارات المختصة لم تؤد دورها علي الوجه الأمثل».