* كلام “الديب” عن قيادة الجهاز صفقة الغاز لإسرائيل لا يحمل أي مفاجأة كبرى.. الجديد أن الجهاز شريك * من يحمي اللواء عمر سليمان ويمنع فتح ملف ” بزنس ” رجال أجهزة المخابرات ؟ خلال العمل بتحقيق ” حسين سالم رجل أعمال من زمن رأسمالية المحاسيب ” المنشور في جريدة “الأهرام” يونيو 2011 توصلت الى يقين بضرورة فتح ملف الفساد في جهاز المخابرات ، وبالطبع المؤسسة العسكرية برمتها . و أدعو القارئ ألا ينزعج .فمصر نفسها عرفت مع هزيمة 5 يونيو 1967 وبتوجيه من رأس النظام الرئيس “جمال عبد الناصر “. وهكذا أمكن للمصريين متابعة شئ ما عن ملف الجهاز الذي وصف جهارا نهارا في إعلام دولة في حالة حرب وأرضها محتلة ب ” قضية إنحراف جهاز المخابرات الكبرى” عام 1968. وأطيحت برؤوس كبيرة على رأسها من أعاد تأسيس الجهاز بمقاييس نظام يوليو 1952 “ اللواء صلاح نصر ” .وجرت محاكمة الرجل وعدد من رفاقه و أودعوا السجن في النهاية . ومع ما أسماه الرئيس السادات في مايو 1971 بثورة التصحيح ( في حقيقة الأمر صراع سلكة داخل القصر) أطيح برئيس الجهاز الذي أوكل إليه إعادة البناء و تصحيح ” الإنحراف ” الوزير “أمين هويدي” وبعدد من رجاله ، وكان من بينهم حسين سالم. وبالفعل أمضى “هويدي” سنوات في السجن .و أضطر ” سالم ” للإبتعاد لسنوات في دولة الإمارات حتى كانت كامب ديفيد عام 1978 والتورط في فضيحة فساد إقتصادي وإداري بأبوظبي . كما أشرت في تحقيقات ” الأهرام “ وبصرف النظر عن حجم التغيير الذي لحق بجهاز المخابرات و أجهزة الأمن السرية الموازية والمشابهة في مصر فإن هناك تصورا مفاده أن هذه الأجهزة تضخم دورها أكثر مماينبغى على المجال العام في البلد مع حكم العسكر بعد إحكام قبضتهم على السلطة السياسية عام 1954 . وهناك تصورآخر يجرى الترويج له على نطاق ضيق بين النخبة منذ السنوات الأخيرة لعهد “مبارك ” .و يستخدم مصطلح “قلب الدولة الصلب ” لإدعاء قدرة جنرالات المؤسسة العسكرية و الأجهزة الأمنية السرية على إصلاح النظام من الداخل . ولما أطاحت ثورة 25 يناير برأسه ” مبارك ” و بمشروع التوريث لنجله ” جمال ” إستدار مروجو المصطلح ” القلب الصلب ” لتأمين حكم البلاد والسيطرة عليها بذات الأجهزة السرية والعسكرية . وحتى هؤلا ء وبينهم ناصريون يزعمون الإنتساب لصفوف معارضي مبارك لم يرتفعوا لموقف عبد الناصر الذي جاهر بعد هزيمة 67 بإنحراف جهاز المخابرات و بضرورة تطهيره. وبصرف النظر عن حدود هذا التطهير حينها وفعليا وكونه لم يحصن الجهاز وأخواته من إنحرافات “البزنيس” واللعب بلا رقابة في الإقتصاد بالداخل والخارج. ولقد تبين لي لاحقا أن رجال المخابرات يقودون التحول الى نمط ” رأسمالية المحاسيب ” منذ عقد السبعينيات بضراوة ، وبما في ذلك الإستثمار في المدن الجديدة وقيادة جمعيات رجال أعمالها. كما تبين أن مصالح رجال أعمال المخابرات الخاصة وشركائهم في ” البزنيس ” كانت في العديد من الحالات تتقدم على المصالح المتصورة كمبرر لعمل المخابرات في الإقتصاد والتجارة تحت شعار ” الأمن القومي “. أقول هذا بمناسبة ما تناقلته الصحف الخاصة ” صحف رجال الأعمال المحاسيب ” لنظام مبارك ” بوصفه مفاجأة سياسية وصحفية في مرافعة المحامي ” فريد الديب ” عن قيادة جهاز المخابرات العامة برئاسة اللواء “عمر سليمان” لصفقة بيع الغاز لإسرائيل مع “حسين سالم ” . وحقيقة الأمر أن ما أتخذته كبرى صحف رأسمالية المحاسيب مانشيتا رئيسيا بللون الأحمر لها يوم 22 يناير 2012 على لسان ” الديب ” دفاعا عن الدكتاتور “مبارك” ونجليه لم يكن بالنسبة لي مفاجأة على الإطلاق منذ يونيو 2011 . بل يمكنني القول أن ما تسرب على لسان ” الديب ” هو واحد على عشرة من المعلومات الموثوقة التي حصلت عليها أثناء تحقيق “حسين سالم “. وبمناسبة مرور عام كامل على الثورة من دون تحقيق أهدافها أطرح على الرأي العام هذه الأسئلة إستنادا لما أعلم : إلى أي حد يعد جهاز المخابرات العامة في عهد اللواء عمر سليمان شريكا أصيلا ( من الباطن ) في الصفقة الفضيحة لتصدير الغاز الى إسرائيل ؟ وهل يحصل صندوق تقاعد رجال جهاز على حصة محددة من تصدير الغاز الى إسرائيل و الى الآن مستفيدا من إستمرار التصدير ؟ ولماذ لم يقترب أحد حتى الآن من اللواء سليمان ورجاله ؟ ..و لماذا هو حر طليق مع أن العديد من خيوط ملفات محاكمة مبارك تنتهى عنده ؟ وأي دور لعبه ويلعبه جهاز ” عمر سليمان ” فيما بات يطلق عليه الصفقة بين مايسمي ب ” قلب الدولة الصلب ” و قيادات الإسلام السياسي ؟ وهناك بالقطع أسئلة أكثر عمومية لكنها لاتقل أهمية من قبيل : ماهي صلات جهاز أمن الدولة السابق بأجهزة المخابرات بما في ذلك المخابرات العامة ؟ ماهي ضوابط علاقة أجهزة الأمن السرية في مصر بنظيراتها بالخارج ؟ سنن التغيير بعد كل هزة إجتماعية سياسية بحجم ثورة 25 يناير 2011 أو ما دونها كهزيمة يونيو 1967 كانت حتما تقتضى المصارحة و التطهير وإعادة البناء في أجهزة المخابرات ، وعلى نحو لايقل عما عرفته مصر ذاتها في عام 1968 مع قضية إنحراف جهاز المخابرات الكبرى . وإلا ستظل الأحوال على ما هي عليه .ويصبح التغيير مجرد عملية تجميل لا تتجاوز السطح والقشور. قضية التطهير في جهاز المخابرات وتغيير أسس عمله وتحصينه من الفساد وبخاصة فساد بزنيس رجال الأعمال واللعب في السياسية الداخلية يتوقف عليها مستقبل ثورة شعب . و أيضا هي قضية أمن قومي بإمتياز، وحتى لا تتكرر هزيمة 5 يونيو 1967 . وهذه هي أيضا خبرة المجتمعات والتاريخ والثورات .فلا ثورة حقيقة إذا إستمرت هذه الهيمنة المرضية و المريضة لأجهزة الأمن السرية. ونجاح لثورة لو بقيت هذه الأجهزة محصنة من المصارحة والرقابة الشعبية والتطهير والتغيير . كارم يحيى كاتب صحفي يعمل حاليا بالأهرام 23 يناير 2012