الجعد بن درهم، ولد في خراسان وهاجر بعد ذلك إلى دمشق الشام، وأقام في حيّ يسمى "حي النصارى"، وكان يتردد في صباه على التابعي المعروف "وهب بن مُنبّه"، وكان يُجالسه ويتلقى عنه العلم، وكلما أراد أن يذهب إليه اغتسل ويقول "أجمع للعقل". كان الجعد معروفًا بالصلاح والعلم وأُعجب به محمد بن مروان، فاتخذه مُعلمًا لابنه مروان الذي لقب فيما بعد بالجعدي نسبة إلى الجعد. وفي العام 105 هجرية كان خالد بن عبد الله القسري واليا على الكوفة، خطب في الناس بواسط يوم الأضحى فقال أيها الناس ارجعوا فضحُّوا تقبل الله منا ومنكم فإني مُضَحٍّ بالجعد بن درهم ذلك أنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا ولم يكلم موسى تكليما وتعالى الله عما يقول الجعد بن درهم علوًّا كبيرًا ثم نزل فذبحه. [القصة أخرجها البيهقي في سننه والبخاري في التاريخ الكبير وابن عساكر في تاريخ دمشق وغيرهم]. وقد أحدث مقتل الجعد في ذلك الوقت رجّة عظيمة على أتباعه من الطُلّاب كالجهم بن صفوان الذي تُنسب إليه "الجهمية"، وأصبح كل من أراد أن يتقرب إلى الوالي يسُب في الجعد وأتباعه ويقول عنهم "المعطّلة"، لما أُشيع أنه عطّل صفات ثابتة في حقّ الله تعالى. رأيه الذي دعا إليه وما دفع الجعد إلى ما ذهب إليه إلا أنه أراد أن يُنزه الله عن صفة من صفات الحوادث، وألا يُشبهه ببعض خلقه كما تفعل اليهود من قولهم بلازم الصفة، كقولهم مُتكلّم يعني له لسان. فاتخذ منهج التأويل ففسر الخُلّة الواردة في شأن إبراهيم عليه السلام بلازم من لوازمها، فقال لازم الخلة الإحسان وتمني الخير للخليل، فنفى عن الله ذلك. وتأول معنى الكلام لينفي عن الله صفة من صفات البشر؛ لأن الله قديم أزلي، فاستحال عنده أن يكون كالحوادث بالنطق بالحروف، بلازم الصوت المسموع. ويقول شعيب الأرناؤوط معلقًا على رواية قتل الجعد "ويغلب على الظن أنه افتعله أعداء الجعد، ولم يحاكموه لأن أفكاره التي طرحها في العقيدة مناقضة كل المناقضة لما عليه اليهود، فهو ينكر بعض الصفات القديمة القائمة بذات الله ويؤولها لينزه الله تعالى عن سمات الحدوث، ويقول بخلق القرآن وأن الله لم يكلم موسى بكلام قديم بل بكلام حادث، بينما اليهود المعروف عنهم الإغراق في التجسيم والتشبيه. وادّعي البعض أن خالدًا لم يفعل ذلك بالجعد من تلقاء نفسه، بل كان بأمر من هشام بن عبد الملك الذي أرسل إليه أهل الجعد يتلمسون العفو عنه لما أحلّ بهم من الضيق والعنت بعد أن سُجن الجعد وغُيّب في غياهب السجون، فاستفسر منهم –مُستغربًا- ألا يزالُ الجعدُ حيًّا!! فأرسل خطابا لخالد يأمره فيه بقتل الجعد، وكان خالدًا مشهورًا بأنه يتقرب ويتزلّف للأمويين بأشد القُرب حتى يرضوا عنه، وقيل أنه كان يفعل ذلك نفيا للتهمة وتقرباً إلى القوم على ما ذكر ابن الأثير. ويروى عن خالد أخبار مشهورة بكرهه للإمام علي بن أبي طالب وآل البيت وتعمده السباب واللعن لهم في الخطب وقنوت الصلوات، وأنه كان يكره ماء زمزم وصنع للناس قناة غيرها وأمرهم أن يشربوا منها، ليمدح قناته بأنها أفضل من أم الخنافس يعني (زمزم) وكان يقول عن الكعبة والله لو كتب إليّ أمير المؤمنين، بإزالتها من على وجه الأرض لنقضتها حجرًا حجرًا. إلى جانب طامات كثيرة وعديدة فعلها بالناس في ولايته إلا أنّ خلفاء بني أمية كعادة الطغاة يُحبّون من يُفرط ويتذلل ويدين لهم الولاء التام، فظلّ الرجل واليا على مكة في خلافة الوليد بن عبد الملك ومن بعده سليمان بن عبد الملك، ثم عزله سليمان لأنه ضرب رجلا من بني شيبة حتى أدمى ظهره، ثم وُلي بعد ذلك الكوفة في خلافة هشام بن عبد الملك الذي قُتل الجعد في خلافته. قُتل الجعد لمعارضته للنظام الحاكم. والحقّ في مثل حادثة الجعد كما يرى بعضُ الباحثين المعاصرين أن قتله كان لسبب سياسي ولم يكن لآرائه في العقيدة، فقد سبق أن فعل خالد ذلك بالمغيرة بن سعيد البجلي الكوفي المعروف بالوصّاف ظفر به خالد، فصلبه وأحرقه بالنار ومعه خمسة من أتباعه يسمون ب(المغيرية)، بعدما ادعى أنه يقول آراء تخالف العقيدة، والحقيقة أنه كان يدعوا لآل البيت بكونهم أحقّ بالخلافة وأميرهم في ذلك الوقت "محمد بن عبد الله بن الحسن". وكالعادة في أنّ من قتل يُقتل ولو بعد حين، لما جاءت سنة 120هجرية، عُزل خالد من منصبه ثم هرب فأمسك به "يوسف بن عمر" الوالي الذي بعده، فدعا بعود فوضع على قدميه ثم قامت عليه الرجال حتى كسرت قدماه ثم على ساقيه حتى كسرت ثم على فخذيه ثم على حقويه ثم على صدره حتى مات.