بين الحين والآخر تظهر على السطح تقارير تشير إلى وجود خلافات فلسطينية عربية، ولكن كثيرًا ما يتم نفيها وتكذيبها في الحال، إلا أن تصريحات محمود عباس أبو مازن، الرئيس الفلسطيني في الأيام القليلة الماضية عن "التدخلات الخارجية"، توضح بما لا يدع مجالا للشك أن هناك خلافات بين السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية، لاسيما في ظل تحركات الأخيرة الساعية إلى توحيد الجبهة الفلسطينية المنقسمة منذ عدة سنوات. موقع فلسطيني كشف في الأيام القليلة الماضية النقاب عن تحرك مصري أردني سعودي إماراتي تجاه حل القضايا العالقة في الداخل الفلسطيني خاصة داخل حركة فتح، ونقل الموقع عن مصدر عربي رفيع المستوى أن اجتماعات مكثفة عقدت في الآونة الأخيرة للدول صاحبة خارطة الطريق وهي مصر، الأردن، الإمارات، والمملكة العربية السعودية، مؤكدة أن عقد الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في الثامن من أكتوبر المقبل ستسبقها مصالحة فتحاوية داخلية تجمع اللجنة المركزية للحركة مع العضو المفصول منها محمد دحلان، مشيرا لموافقة الأخير على اتمام المصالحة المذكورة دون عودته إلى عضوية اللجنة، مع توقعات بعودة عضويته في فتح، ويشير الموقع في تسريباته إلى أن كل من تضرر من العلاقات المتوترة بين عباس ودحلان منذ خمسة أعوام ستتم إعادته إلى حركة فتح، وكل من تم تصنيفه من المتجنحين أو تم قطع راتبه ستتم إعادته. هذه التسريبات حللتها تقارير فلسطينية أخرى بأنها تدخل في إطار ضغوط عربية على الرئيس الفلسطيني لإجراء مصالحة مع دحلان، تقضي بعودته إلى حركة فتح ومشاركته في السياسية الفلسطينية المستقبلية للسلطة، وهو الأمر الذي أغضب عباس كثيرًا بالرغم من أنه لم يصدر تعليقًا صريحًا بهذا الشأن وخرجت اللجنة المركزية للحركة ببيان ترحب فيه بالتلاحم الفتحاوي على مستوى القاعدة، ولحقه بيان مصري أردني مشترك على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي، وملك الأردن الملك عبدالله، يرحبان فيه ببيان المركزية المذكور وبالمصالحة الفتحاوية الداخلية. ولكن ما أظهر الغضب الرئاسي الفلسطيني بشكل واسع تجاه الإجراءات المصرية العربية الأخيرة والمتعلقة بالمصالحة هو خطاب أبو مازن الساخن والذي حذر فيه من أسماهم "المستهينون باستقلالية القرار الفلسطيني" من مغبة التدخل في القرار الفلسطيني، والتلاعب بحق تقرير المصير، وقال "على كل من له خيوط من هنا وهناك الأفضل له أن يقطعها، وإذا لم يقطعها نحن سنقطعها، فلا أحد يملي علينا موقفا.. لنتكلم كفلسطينيين وكفى الامتدادات من هنا وهناك". وتابع "علاقتنا مع الجميع يجب أن تكون طيبة وجيدة لكن لا أحد يملي علينا موقفا أو رأيا، نحن أصحاب القرار ونحن الذين نقرر ونحن الذين ننفذ ولا يوجد لأحد سلطة علينا"، الرئيس عباس لم يذكر العواصم، وإذا كانت عربية أم غير عربية، لكنه بدا غاضبا ما يدل على أن هناك أزمة حقيقية، وأن جهات تحاول الضغط عليه في أمر هو يرفضه، لكن تزامن خطابه ولغته الغاضبة مع الإعلان عن تشكيل رباعية عربية واجتماعها فعلا قبل أيام مع عدد من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، كان واضحًا أنها جاءت على خلفية إثارة فكرة إعادة طرح موضوع عضو المجلس التشريعي محمد دحلان، وقبول اللجنة المركزية دراسة طلبات بعض المفصولين من الحركة في السنوات الماضية وهو ما أشارت له بعض الصحف الفلسطينية وفي المقدمة منها صحيفة "القدس العربية" التي أكدت في أحد التقارير لها أن هناك ضغوطا عربية تقودها مصر والأردن والسعودية والإمارات لإعادة دحلان ولا استجابة من الرئيس عباس وفتح. أبو مازن، وبعيدًا عن خلافاته الجديدة مع القيادة العربية بشأن مشاركة دحلان ومستقبل حركة فتح، بدا واضحًا في الفترة الأخيرة أنه يتجاهل التغيير، فبعد إقالة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، كان واضحًا أنه يرفض تعيين نائب له، الأمر الذي يأتي عكس رغبة الكثيرين من الفلسطينين والعرب، خاصة وعمره يتعدى الثمانين عامًا، وهو أمر يتضح في خطابه الأخير الذي يشير بوضوح فيه إلى أن هناك إملاءات عليه من الخارج وهو يرفضها. لا اختلاف على الفكرة العامة بين القيادة العربية والسلطة الفلسطينية برئاسة عباس أبو مازن حول تحريك كافة الجهود لبدء مفاوضات سلام مباشرة بين السلطة الفلسطية والكيان الصهيوني وفقًا لأي مبادرات إذا كانت عربية أو فرنسية أو أمريكية أو روسية، ولكن الخلافات هنا ظهرت عندما تعلق الأمر بوضع داخلي في حركة فتح، حيث لاحظ أبو مازن أن هذه المفاوضات ستسبقتها محاولات لفرض مصالحة هو يراها بعيدة كل البعد عن طموحاته المستقبلية حتى إذا كانت بنصيحة عربية، فالحديث عن خلافات بين عباس ودحلان لا يدور حول صراع شخصي إنما أزمة عميقة بين الرجل المفصول وجميع القيادات بحركة فتح، كما يقول عباس في أحد تصريحاته السابقة. تاريخ الخلاف بين عباس وأبو مازن بدأ بعدما اتهم محمد دحلان، في محادثات مغلقة نجلي الرئيس عباس بالفساد الاقتصادي، وزاد الخلاف عندما صب خصوم دحلان في اللجنة المركزية لحركة فتح الزيت على النار ونجحوا في تحريض الرئيس الفلسطيني ضده بشكل يحول دون أية إمكانية للتصالح بينهما، ووصل الخلاف ذروته بطرد دحلان من صفوف فتح ومحاكمته غيابيا بتهمة الفساد وتبادل الاتهامات بينه وبين عباس بشأن التورط الشخصي في اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات. صحف خليجية في اليومين الماضين ربما أثارت أيضًا تخوف أبو مازن وأعطته مؤشرا بأن هناك رغبة عربية في إبعاده عن المشهد الفلسطيني في المرحلة المقبلة، فعندما تكتب صحيفة "الخليج أون لاين" العربية، تقريرا عنوانه "دحلان يعود ل"فتح" في خطوة أولى.. والرئاسة خطوة ثانية" وأن الأمر يتعدى كونه مصالحة بين الفرقاء، فإن هذا الأمر يمثل صدمة لعباس، وهو ما ظهر في خطابه الأخير وتصريحاته الغاضبة. من ناحية أخرى، فالتحليلات الإسرائئلية المتابعة لهذا الخلاف الفلسطيني العربي كانت مؤيدة لنفس الإطار المتخوف منه عباس، وقال المحلل الإسرائيلي للشؤون العربية يوني بن مناحيم، في مقال على موقع "نيوز1" العبري، إن مصر والأردن والسعودية والإمارات يواصلون الضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس للتصالح مع غريمه محمد دحلان، القيادي المفصول من حركة فتح، وإنه على الرغم من أن هناك تبريرا رسميا لتلك الضغوط وهو تحقيق الوحدة في صفوف فتح لإحباط إمكانية فوز حركة حماس في الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في 8 أكتوبر، لكن الحقيقة تتجاوز هذه المسألة، فتلك الدول معنية بأن تؤدي المصالحة إلى إحلال دحلان كخليفة لعباس في منصب الرئاسة، لاسيما وسط توقعات بمغادرة الأخير الساحة السياسية في القريب.