أثناء خدمة رؤساء جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي يتم تعريفهم بأنهم أحد الأركان الأساسية لدولة إسرائيل، ويتم احترامهم من قبل المتخصصين في مجال الأمن في كل مكان داخل الكيان الصهيوني، وكأنه لا يمكن أن تقوم للاحتلال قائمة بدونهم. المفارقة أنه حين يترك هؤلاء الرؤساء وظائفهم، فإنهم يصبحون متحدثين باسم السلام، في الواقع ليس هناك تفسير منطقي لذلك، وكلاء الشاباك هم الجزء الوحيد من الإنشاء الذي له اتصال حقيقي مباشر ويومي مع الواقع الفلسطيني، يسجنون الفلسطينيين المشتبه بهم ويعذبونهم في محاولة لتحويلهم إلى مخبرين، كما أنهم يجمعون المعلومات ويخترقون المناطق النائية في المجتمع الفلسطيني، ويعرفون الكثير عن الفلسطينيين أكثر من أي شخص آخر في الكيان وربما في فلسطين أيضا. خلال الخدمة يقول الضباط إنهم يواجهون الفلسطينيين الذين يسعون لقيام دولة خاصة بهم، وبعد الخروج من الخدمة يدعو هؤلاء إلى حل الدولتين، والشيء نفسه يحدث لرؤساء الموساد. عملهم الرئيسي القتال ضد العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص، ومع لحظة الخروج من الخدمة يصبحون دعاة الحل القائم على الدولتين، في تناقض مباشر مع سياسة رئيس الوزراء وحكومته. منذ فترة، عرض التلفزيون الإسرائيلي فيلما وثائقيا بعنوان "الحراس"، والذي سئل فيه رؤساء الشاباك والموساد السابقين عن حلول الصراع، كل منهما دعا للسلام على أساس حل الدولتين، وأكدا كلاهما أنه لن يكون هناك سلام، إلا إذا حصل الفلسطينيون على إقامة قومية خاصة بهم. لم يكن تامير باردو، رئيس الموساد السابق، يستطيع التعبير عن رأيه، ولكن منذ أوائل عام 2016، أصبح شخصا عاديا، هو يهودي شرقي، ولد قبل 63 عاما في القدسالمحتلة، جاءت عائلته من تركيا حيث وجد الكثير من اليهود ملجأ بعد طردهم من إسبانيا قبل 525 عاما، وهو لا ينتمي إلى النخبة الاشكنازية، وهي الكارهة لليهود الشرقين. حذر باردو من أن إسرائيل تقترب من حرب أهلية، وقال إنها ليست عند نقطة الحرب الأهلية فعليا ولكنها تتجه إليها بسرعة، ووفقا لوجهة نظره، هذا هو الخطر الأكبر الذي يهدد الكيان، وهذا يعني أنه لا يرى إيران أو فصيلا مناهضا للكيان الصهيوني خطرا عليها، وبالتالي وجهة نظره تعد تحديا لسياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث يرى إن إسرائيل محاطة بالأعداء الخطيرين والتهديدات القاتلة. يرى باردو أن الخطر الأكبر من ذلك بكثير هو الانقسام داخل المجتمع اليهودي الإسرائيلي، وأنه توجد الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل ولكن ما تريده الحكومة الآن هو ضم الأراضي المحتلة وتوسيع المستوطات. الصدع بين اليهود الأشكيناز والشرقيين أكبر من المتوقع، الغالبية الساحقة من الشرقيين ينتمون إلى اليمين حيث اليهودية، في حين الاشكيناز ينتمون لليسارية حيث العلمانية، كما أن الأخير بشكل عام أفضل اقتصاديا واجتماعيا من الشرقيين، وبالتالي الشرخ عميق. في عام 1953 اعتقد الكثيرون أن الشرخ بين الأشكيناز والشرقيين مرحلة عابرة وسينصهران بعد الهجرة الجماعية والتزاوج واختلاف الأجيال، وأن كل شيء سوف يختفي، إلا أن العكس حدث، تعمق الخلاف سريعا، وأصبحت علامات الكراهية متبادلة، وبدأ التحريض الطائفي. لم يساعد الزواج والاختلاط على وقف التطرف من الجانبين، لا يزال الشرقيون يتصرفون بطريقة الأقلية المضطهدة، والعداء المتبادل أخذ في الازدياد بشكل مخيف. أحد الأعراض التي تشير إلى سرعة وتيرة الحرب الأهلية هو ما يعرف ب"جيش الاحتلال" الذي يقع ضحية العديد من الخلافات، فمن الملحوط أن المناصب العليا لليهود الأشكيناز، وهذا قد يفسر حقيقة ما بعد حرب أكتوبر 1973، إذ أصبح جيش الاحتلال أساسا لقوة الشرطة الاستعمارية، وقيادات الجيش لا تزال أكثر اعتدالا من المؤسسة السياسية. بدأ الكثير من الإسرائيليين الحديث عن اثنين من مجتمعات اليهود في إسرائيل، وبعض الحديث عن شعبيين يهوديين داخل الأمة اليهودية الإسرائيلية، هذا الحديث يحمل معه الصراع. الصراع العربي الإسرائيلي لم يضر الكيان الصهيوني، حيث يحافظ عليه الكيان من أجل وجوده الذاتي في محاولة لوأد الصراع الطائفي داخله، وبالتالي يمكن تفسير أن هذا الاحتلال لا نهاية له، ويتناسب بشكل جيد مع نظرية الحرب الأهلية الوشيكة، حيث الشعور بالتوحد ضد الفلسطينيين سيجنب إسرائيل الصراع الداخلي. ريد برس