هو الشاعر ذو الإرثين، الذي حار الناس في اسمه ونسبه ومولده وسيرة دينه ووفاته، ورغم كل ذلك فهو من فحول شعراء عصره، اسمه جرول، ولد لأَمةٍ اسمها الضراء، كانت عند أوس بن مالك، وهو أبوه لكن أمه أخفت ذلك. قيل أيضا إن الحطيئة نسب للأفقم العبسي، ومن ثم فبعد موت أوس والأفعم طالب الحطيئة بميراثين من أهل هذا وأهل ذاك، فمنعه أهل أوس فهجاهم، وأعطاه أهل الأفعم ما لم يقنعه فهجاهم أيضا. في هذه الساعة يدور حوار طه حسين وصاحبه حول ما للحطيئة وما عليه، فلم ينكر أحد دمامته وقصر قامته وقبح منظره، كما لم ينكر أحد فحوليته في الشعر وتفوقه من بين شعراء عصره، ولعل ما ساعد في إثراء الحياة الأدبية والشعرية لدى الحطيئة أنه كان ممن يروون الشعر عن زهير صاحب المعلقة، كان يذهب إليه كثيرا ويأخذ عنه الشعر رواية وتعليما كما كان يفعل كعب بن زهير. يتفق طه حسين على أن الحياة غيرت في نفس الحطيئة فجعلته، كما يقول الرواة، جشعا سؤلا ملحا في السؤال، طويل اللسان، مسرفا في الاعتداء على الناس، ولعل هذا كان ناتجا من نظرته إلى نفسه وما بها من قبح، فظن سخرية الناس منه لا محالة ومن هنا بدأ يبادلهم هذا الشعور وهذه السخرية التي لا حد لها. إذن، فقد أقر طه حسين بشطر كبير مما قاله الرواة، لكنه قال عن الحطيئة إنه لم يصل به الأمر إلى هذا الحد، وهو أن يهجو أباه وأخاه وأمه، ثم ينتهي به الأمر إلى هجاء نفسه، غير أن طه حسين يرى أن الشعر الذي يحمل هجاء أهله قد وضع عليه وضعا، ولعل الدليل على عدم هجائه لأهله ما وصلنا عن قصته مع عمر، رضي الله عنه، عندما وصله قول الحطيئة في الزبرقان بن بدر: دَعِ المَكارِمَ لا تَرحَل لِبُغيَتِها وَاقعُد فَإِنَّكَ أَنتَ الطاعِمُ الكاسي وقصة هذا الأبيات أن الحطيئة زار الزبرقان بن بدر ولكن امرأته تجاهلته، ومن هنا وجد أبناء عم الزبرقان مدخلا مناسبا يدخلون به للحطيئة حتى يهجو ابن عمهم لكنه رفض، فاستضافوه عندهم وأكرموه وبالغوا في كرمه حتي يهجوه فرفض، إلى أن جاء الزبرقان بمن يهجو أبناء عمه وعندها كان الحطيئة في ضيافتهم فكان لزاما عليه أن يرد هجاءهم، غير أنه أيضا لم يهجُه الهجاء القوي الذي عودنا عليه، بل اكتفى بغيظه، ثم بعد أن قام الخليفة عمر بسجنه ولم يهمّ بقطع لسانه كما يقول البعض قال له مستعطفا: مَاذَا تقول لأِفْراخٍ بذي مَرَخٍ حمرِ الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ غيبتَ كَاسِبَهُمْ في قَعْرِ مُظْلِمَةٍ فاغْفِرْ عَلَيْكَ سلامُ اللّه ياعُمَرُ أنتَ الأمِينُ الذي مِنْ بَعْدِ صَاحِبهِ ألْقَتْ إليْكَ مَقَالِيدَ النُّهَى البَشَرُ لم يؤثروك بها إذْ قدَّموك لها لَكِنْ لأنفُسِهِم كانت بها الإثَرُ فصاحب موقف كهذا لا نرى أنه سيهجو أهله، بيد أن العربي عرف باعتزازه بنسبه وكان لهم عرفهم الجيد، ولذلك قال النبي: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". أما عن الأبيات، فيستعطف فيها الحطيئة الخليفة حتى يطلق سراحه، فيقول له ماذا تقول لأطفالي وشبههم بالأفراخ لصغر سنهم، الذين يسكنون ذي مرخ وهو المكان الخالي من الماء والشجر غير أن حواصلهم لا تزال حمراء لأنهم يأكلون طعاما لا يستطيعون أن يجلبوه لأنفسهم، وهم حتما سيسألونك لأنني من أكسب لهم القوت، وها أنت ألقيتني في مكان مظلم وهو السجن، فاغفر سلام الله عليك، فها أنت جئت من بعد أبي بكر وأجمع عليك الخلق فلا يجدر بك أن تفعل بي ما فعلت لأجل ذلة مني، ثم هم لم يقدموك للخلافة ولم يؤثروك بها إلا لأنك الأجدر والأفضل لها. يعود طه حسين بعد ذلك للحديث عن رقة دين الحطيئة معللا ذلك بأن الإسلام لم يتمكن من قلب الحطيئة، فإنه وإن كان أظهر إسلامه في عهد النبي، فإنه عاد وارتد أيام أبي بكر، وظل مضطربا إلى أن جاء عهد معاوية وعاد جزء من الحياة الجاهلية إلى هذا العصر فاستقر قلب الحطيئة. انتهت الساعة الأولى مع الحطيئة لتجدد له الأسبوع الذي لحقه، وفيها يتحدث صاحب طه حسين عن شعر الحطيئة وافتتانه به.