شوارع تغرق في مياه المجاري، وطرق داخلية غير مكتملة، وأرصفة محطمة وأبواب ونوافذ العديد من الشقق السكنية مسروقة، ومياه وكهرباء مقطوعة أغلب الأوقات، ومستوى من الخدمات لا يسمح لأحد بالحياة. تلك هي معاناة الأهالي في "المشروع القومي للإسكان بمحافظة الجيزة" 63 متر أو فيما عرف قديما ب"مشروع مبارك لإسكان الشباب"، والذي بدأ العمل في مراحله الثلاث بمدينة السادس من أكتوبر في عام 2005 وتم تسليم وحداته في 2008. بدأت المعاناة عندما أعلنت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية عن فتح باب الحجز لعدد من الواحدات السكنية بمدينة السادس من أكتوبر وعدد من المدن الجديدة وذلك في الفترة من 11 إلى 25 ديسمبر 2005 لتوفير المسكن الملائم لمحدودي الدخل، وذلك طبقا لعدد من الشروط وأساليب السداد التى أعلنت فيها أن سعر الشقة الواحدة 50 ألف جنيه تدفع منها 5 آلاف جنيها كمقدم حجز و15 ألفا دعما من صندوق إسكان الشباب، بقسط شهرى 160جنيه، يزداد سنويا بنسبة 5٪ فائدة ثابتة، ولكن الدولة متمثلة فى وزارة الإسكان تعثرت في سداد مستحقات شركات المقاولات التي شيدت الوحدات، فأسندت سدادها للشركة الأولى للتمويل العقارى، فزادت نسبة الفائدة إلى 7.5% مركبة، حتى وصل القسط الشهري بعد عدة سنوات إلى نحو 700 جنيه شهريا، بالرغم من أن متر الأرض تم بيعه ب70 جنيها فقط . هنا ثار العديد من المنتفعين ومالكي تلك الوحدات ورفضوا القرار الأخير، وقاموا برفع قضية أمام مجلس الدولة ضد وزارة الاسكان، للمطالبة بإلغاء الفوائد، ولكن حتى الآن مازال الجميع هناك يعاني من السقوط من ذاكرة الدولة. الدعوى التي تحمل رقم 29976 لسنة 66 باسم حمدي محمود وآخرين عقدت آخر جلسة لنظرها في 24 مارس قبل الماضي، والقضية حاليا محجوزة لصدور تقرير المفوضين، وينتظر أصحابها إلغاء قرار وزير الإسكان الأسبق أحمد المغربي بتحويل المشروع إلى التمويل العقاري، وما يترتب عليه من إلغاء للفوائد المركبة التي تعدت ال50 ألف جنيه على رأس مال أساسي مقداره 30 ألف جنيه فقط وإلغاء التوكيلات غير القانونية . "شاربين المر والمرار عشان نعيش هنا، مفيش رغيف عيش أو مستشفى أو مسجد أو مدرسة ندخل فيها ولادنا ولا نقطة ميّة نضيفة أو حتى فرن بلدي والمواسير دايما بتضرب في الشوارع والحكومة شالت إيديها من علينا".. بتلك الكلمات تحدث عم صابر، أحد الأهالي الذي طالب المسؤولين بإنقاذهم من الموت واستكمال خدمات المشروع المتوقفة منذ 9 أعوام وتخفيض أسعار عدادات الكهرباء التي قفزت بين يوم وليلة من 600 جنيه إلى 1200 جنيه بخلاف 700 جنيه أخرى للتركيب وتسديد قيمة الممارسة المتأخرة . عدد من الأهالي وصفوا قرار اإسكان بتحويل المشروع لنظام التمويل العقاري بأنه مخالف من الاأساس ويضر بمصلحة المستفيدين، فالعقد الذي تم بين الشركة وبين المستفيدين غير قانوني على حد قولهم، وفي هذا الإطار ذكر العبادي حسن، أحد الأهالي، أن التوكيل الذي أجبروهم على عمله بالشهر العقاري بحق البيع والشراء والتصرف في الوحدة لصالح مجموعة من موظفي الشركة الأولى دون ارتباط ذلك بانتظام المستفيد في الدفع من عدمه مخالف قانونا ولا يجوز، فضلا عن مخالفة الوزراة للإعلان الخاص بشروط التخصيص ونظام الدفع والذي أعلنته في المرحلة الأولى في ديسمبر 2005 وتغيير نظام الدفع بدون مراجعة المستفيدين، خاصة أن هذا الأمر يضر بهم. وفي سبيل ذلك تقوم الشركة منذ فترة كبيرة من وقت لآخر بحسب تعبيره بعمل حملة لإجبار المستفيدين على التوقيع على ملحق للعقد به تصحيح وإلزام قانوني جديد يحسن ويصحح ويقوي موقف الشركة القانوني، بالإضافة لتوقيع المستفيد على ما يمسى ب"حوالة بيع الحق"، وهي ورقة مفادها أن المستفيد موافق على أن وزارة الاسكان تبيع الدين المتبقي عليه من ثمن الوحدة وهو مبلغ 30 ألف جنيه فقط إلى شركة التمويل العقاري وأن المستفيد موافق أيضا على دفع هذا الدين الذي يتجاوز 83 ألف جنيه بدلا من 30 ألفا، لصالح الشركة الممولة وأن المستفيد موافق على أن من حق شركة التمويل العقاري إعادة بيع الدين مرة أخرى لأي شركة أو جهة جديدة. على صعيد آخر يشكو المستفيدون بالوحدات من غياب الخدمات العامة الضرورية للحياة عن المشروع بالكامل، فضلا عن وسيلة مواصلات واحدة داخلية، كما لا توجد مدرسة أو مستشفي أو مخبز بلدي أو أفرنجي أو عدادات كهرباء، ولا توجد مياه أو نقطة شرطة تحول دون تحكم البلطجية وعدد من العرب المقيمين في غالبية شقق المشروع المجاور لهم "ابني بيتك"، وهؤلاء يقومون بفرض الإتاوات التي تبدأ من 100 جنيه وتصل أحيانا إلى 400 جنيه علي كل حاجز جديد يبدأ في تشطيب شقته التي يستلمها على المحارة. 30% هي إجمالي نسبة المتواجدين في المنطقة الأولى من المشروع، و10% في الثانية، البعض منهم يقيمون مكاتب للتشطيبات والمقاولات، حتي يتمكنوا من سداد باقي الأقساط والبعض الآخر مستفيدون ومستأجرون وعمال مصانع، وفي كل الأحوال يعاني الجميع من غياب الخدمات في الوقت الذي وضع فيه عدد من الصعايدة "أبناء أبو دومة" أيديهم بالقوة على الأماكن المخصصة للمشروعات الخدمية لتأجيرها جراجات للمستأجرين والعاملين بمنطقة المصانع المجاورة. عدد كبير من المواطنين قاموا بتغيير ملامح الوحدات المخصصة لهم بعد شرائها "من الباطن" وتحويلها إلى ورش أو "دكاكين بقالة" أو كافيتريات مما حول المشروع إلى ما يشبه منطقة الحرفيين أو إحدى مصانع العاشر من رمضان، فضلًا عن عدم وجود وسيلة نقل داخلية تنقل السكان من داخل المشروع إلى خارجه سوى التوك توك "مخصوص" الذي يتقاضى 10 جنيهات عن الفرد، أو عربة ربع نقل متهالكة تنقل الأهالي إلى مساكنهم ويتحكم فيها مجموعة من البلطجية.