قبل أن تقرأ: إن أردت التعرف على الحقيقة، اقفز في أي وسيلة مواصلات، ثم ترجل في الشارع الذي وقع عليه اختيارك بشكل عشوائي، وكل ما عليك فعله هو أن تنظر في وجوه "الخلق" عن قرب، هذا الطقس البسيط سوف يقربك من معرفة الحقيقة!. صورة عجوز الشرابية المنتحر تحت كوبري باغوث بمشنقة تتدلى من شجرة، والمنتشرة في المواقع الإخبارية وشبكة التواصل الاجتماعي نصبت داخلي ميزان في إحدى كفيه العالم والأخرى التي ارتطمت بالأرض كانت لهذا الرجل العجوز الذي أراد أن يرسل لنا رسالة إنسانية خاصة!. قرأتها في البداية.. "طز فيكم" أنهيت حياتي بيدي وتركت جسدي يتأرجح أمامكم يا عبيد الدنيا يا عبيد المناصب والمال، ما قيمة الحياة وأنتم تأكلون بعضكم بعضا؟!، أنا أفضل منكم لأني أنهيت المهزلة بيدي.. أنا لا أخشى الموت أيها الجبناء. وبعد فترة قصيرة.. قرأت رسالته بشكل آخر شعرت أنه أراد أن يقول لنا.. تلك نهايتكم الحتمية إن كنتم شرفاء يا فقراء مصر ابحثوا عن مشنقة، الشارع مليء بالمشانق جاهزة الاستعمال يا فقراء مصر اتركوها لهم، اتركوا الغابة للوحوش وللذئاب وللقوارض والحشرات هؤلاء لن يقدموا لكم كسرة خبز. أم أراد أن يقول لنا.. ثوروا على أوضاعكم، انتحرت أمامكم جميعا لتشهدوا ضعفي وقلة حيلتي، هذة ليست النهاية كما تعتقدون، قاوموا الظلم تقاسموا الحياة اغلقوا السجون تبادلوا الحب وتعلموه اسحقوا الكره ارحموا الضعفاء. وأنت كيف قرأت المشهد؟. مهما قرأنا فالصورة أبلغ من أن تُحصر في الكلمات، وتبقى الحقيقة تطارد كل فرد من أفراد الوطن، كلنا أجرمنا في حق هذا العجوز حينما انشغلنا عنه، هذا الرجل الذي انتحر لضيق الحال ليس أول من انتحر ولا آخرهم، لهذا السبب فمعدلات الانتحار تتصاعد في صمت، وأصبح الفقير لا يخشى الموت بل يستدعيه لينهي حياته البائسة!. وغض النظام كله الطرف، من أصغر موظف به إلى أكبر موظف "الرئيس" عن انتحار هذا العجوز البائس في الشارع بهذة القسوة هي الجريمة الأكبر، خصوصا بعد أن تحول الأمر لمجرد انتحار ممكن حدوثه في أي مكان في العالم إلى ظاهرة اجتماعية مصرية خطيرة ومؤشرا أخطر في حالة استمرار "التطنيش" الذي احترفه النظام وعدم الالتفاف حول قضايا وإشكاليات تحيط بالمواطن البسيط منذ زمن بعيد!. وبعزلة أجهزة الدولة ومؤسساتها عن الشارع والتحرك بكل طاقة الدولة في صناعة تاريخ شخصي للرئيس على حساب احتياجات فقراء هذا الوطن، سوف تتكرر هذة المأساة إذا لم يتم ضبط إيقاع الأسعار وزيادة معدلات الدخل وتوفير فرص العمل بفتح المصانع المغلقة وغيرها من المشروعات المنقذة والمعطلة هي أيضا، فكان من الممكن تأجيل ما يطلق عليه انجازات النظام حتى ضمان مستوى معيشي متوسط للمواطن المصري على الأقل أو العمل بالتوازي مع حل الإشكاليات الاقتصادية المزمنة التي تحولت إلى وحش شرس يلتهم المجتمع المصري!. المدهش أن المصري هو المصري ذلك الإنسان العبقري بالفطرة حتى وهو يفارق الحياة يريد أن يغير شيئا في عالمنا البائس تاركا باختياره الانتحار بمشنقة من صنع يديه تتدلى من شجرة في الشارع رمزية عميقة بعد أن حول فكرة الانتحار وأخرجها من سياق السر إلى مقابلة علنية مع الموت!.