توصل مجموعة من المفكرين والمحللين السياسيين إلى أن الحلم الأمريكي بالسيطرة على العالم وراء الصراعات والحروب المتعددة التي تنتشر في أنحاء العالم، وفي الوقت نفسه لم تنكر السياسات الأمريكية مثل هذا الطرح، بل أظهرت إمكانياتها الكبيرة وحلمها الذي أصبح كابوسًا كونيًّا نحتاج جميعًا إلى أن نصحو منه في أسرع وقت ممكن. الكتاب الذى نعرضه «الحلم الأمريكي.. كابوس العالم» ل«ضياء الدين سردار، وميريل ويل ديفيز» مؤلفي كتاب «لماذا يكره العالم أمريكا؟» ترجم لأكثر من 23 لغة، ويمثل مساهمة فعالة فى مجال التعريف بالحلم الأمريكي وثوابته ومتغيراته، وذلك من خلال الأساطير والحقائق وجوانب عديدة للثقافة الأمريكية كهوليوود، والمشاهير، والنجوم، والهنود، والجنود والإعلام والاقتصاد. يبدأ الحلم الأمريكي من تصور مركزي بالنسبة للحياة، يرى أنها مختلفة عن بقية شعوب العالم، ويترتب على هذا الافتراض شبه اللاشعوري المقبولعلى نطاق واسع، أن أمريكا يتعذر إخضاعها للمعايير المطبقة على باقى العالم، وأنها استثنائية، وتلك نزعة ثقافية من صياغة التاريخ الأمريكي وسلسلة روايات ثقافية معينة مستخلصة منه، إنها روح قومية يجري التعبير عنها بالأسطورة، إنها نظرة إلى الشخصية القومية الأمريكية مدعمة بالقيم والوعي الأخلاقي المتجسدين فى الأسطورة، نظرة ذات تأثير عميق فى الخطاب السياسي للأمة، ومن هنا فإنها ترسم حدود أي جدل سياسي صحيح داخل أمريكا، ومما لا شك فيه أنها آية الضلال الثقافي الأخطر، إنها مصدر تهديد داهم للأمن والسلام والرفاه، ليس فقط بالنسبة إلى الأمريكيين، وإنما إلى البشر فى كل مكان. كابوس القوة يصور المؤلفان أمريكا بأنها كابوس العالم من خلال امتلاكها للقوة التي تمكنها من فرض عيوب ونواقص حلمها على واقع حياة الجميع، ويصف الكتاب أمريكا بأنها صرح ثقافي طاغٍ، فاعل على الصعيدين الداخلي والخارجي، كما أنها عاجزة عن تقييم مدى تأثيرها فى العالم أو الإحاطة بمستوى وطبيعة جملة المشكلات الفعلية التي تواجهها، بالإضافة إلى أنها تعمل على طمأنة الأمريكيين وإقناعهم بأنهم شعب لطيف، في حين أن سياستها عكس ذلك. وتبدو في الحقيقة أمريكا، بالنسبة إلى غير الأمريكيين، مكانًا شديد الغرابة، إنها تبدو على الدوام وكأنها فى حرب ليس فقط مع باقى العالم، بل مع ذاتها، فنظام التعليم فيها مشلول، يتأرجح بعنف بين قطبي الاستقامة السياسية واليمين الديني، ونمط حياتها ذوالتوجه الاستهلاكي المفرط – هذا النمط الذي تدافع عنه بضراوة بالغة جميع الإدارات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء – ليس فقط غير قابل للإدامة على نحو خطير، بل هو دائب فعلًا على خنق العالم، أما أقلياتها – الزنوج والآسيويون واللاتينيون – فتتعرض للتهميش، وتظل بعيدة عن جماعات البيض الممسكة بزمام السيطرة والتحكم. إن الخوف الدائم يتفشى في شوارع مدنها واصلًا إلى مستويات مرضية. ويتوقف الكتاب فى المقدمة عند عملية انتخاب البطل السينمائى آرنولد شوارزنيجر كحاكم لولاية كاليفورنيا، ويرى أنه يجسد بوضوح الحلم الأمريكى القائم على النزعة الفردية، وإضفاء الصفة الديمقراطية على كل شيء، وعدم الثقة بأرباب السياسة، والاستياء من الحكم، ودور بيوتات الأعمال العملاقة في المجتمع والسياسة، والجوانب المكشوفة والخفية للحرب الثقافية، والانقسام العنصري، والرغبة في البطولةومبدأ الشهرة في الدوامة نفسها معًا. ويرى المؤلفان أن المرشح شوارزنيجر لم يكن مسلحًا بأي خطة عمل سياسية لإخراج كاليفورنيا من أزمة الديون التي تعانيها أو بأى تجربة ذات شأن فى السياسة. ولم يصوتوا له إلا تحت سلطان الشهرة وشخصيته السينمائية وإحداثياته الثقافية. عشرة نواميس يذكر الكتاب أن الروح التى تطبع كل ما له علاقة بأمريكا تمتد جذورها إلى أعماق الأسطورة، وماتراثها الروائي السردي الأسطوري إلا رؤية خاصة للتاريخ، لآفاق الأمة وللمستقبل، وهذه الميثولوجيا تتشكل بفعل عشرة نواميس، تؤلف جزءًا عضويًّا من الوعي الأمريكي الذي هو نوع من الموروث الجماعي الذي ينقل الأمة إلى ما بعد الانقسام العميق والمستحكم في السياسة والمجتمع. الخوف والقلق أول هذه النواميس "الخوف"، فأن تعيش في أمريكا يعني أن تكون مسكونًا بالخوف، بالقلق، وبالخطر، أن تكون محاصرًا بأشكال محتملة من الأذى، الأعداء والنوايا الخبيثة، وهذا ما يحدث على نحو متكرر في أفلام هوليوود، حيث تختتم بنوع من الحل، من الإنقاذ، فينطلق المنتصرون على صهوات جيادهم؛ ليغربوا فى مغرب الشمس، أو يلوذونبأحضان دافئة تطمئننا إلى أنهم سيعيشون في سعادة بعد ذلك إلى الأبد. الهروب سبب الوجود ثانيها أن "الهروب سبب للوجود"، فقد كانت أمريكا فكرة قبل أن تصبح بلدًا، وتمت صياغة البلد وفقًا للفكرة، حيث تضافرت آليات النشر والعلاقات العامة والدعاية الهادفة على إبداع فكرة أمريكا، وجرى اصطناع أمريكا لتكون طريق هروب من جميع العلل التي عرفتها مجتمعات العالم القديم وأممه، جرى تصورها ملاذًا، يلوذ به الهاربون من الاضطهاد، من الفقر، من البطالة، ومن نقص الفرص، بحثًا عن متنفس، وعن مكان يتيح لهؤلاء المواطنين الجدد فرصة إعادة خلق أنفسهم وصياغة نمط حياة جديدة متحررة من القيود والممنوعات والضوابط. إذًا أمريكا مؤسسة على فرضية هروب المرء من نفسه. الجهل نعمة قوة الإيمان بالاستثنائية الأمريكية لا تلبث أن تصبح منطقًا يسوغ الجهل بالعلم الخارجى، ويبرر إسقاط ما يمكن للآخرين أن يقولوه عن أمريكا من الحساب. إنها عبقرية الانعزال العظيمة، إنها العلة النهائية للغرق في بحر أمجاد الجهل. فكرة الأمة أمريكا هي فكرة الأمة. وليست الأمة وعاء الأسطورة فقط، بل هي أداة جوهرية لصناعة الأساطير، أيقونة النزعة القومية طاغية فى الحياة الأمريكية، والروح الوطنية، ومناشدة النزعة القومية والاعتزاز بالأمة، انعكاسات شائعة يتم التعبير عنها بالسلوك الشخصي، بالأحداث الاجتماعية وبثقافة أمريكا الشعبية، يجرى إضفاء القداسة على أيقونات الأمة؛ لأن الأمة نفسها منطوية على مغزى مقدس، وبعبارة أخرى: أمريكا متطرفة في تعصبها القومي. الديمقراطية إضفاء الديمقراطية على كل شيء هو جوهر أمريكا، إن إشاعة الديمقراطية هي تمكين الذات – الفرد – إنها الرسالة التي خلقت أمريكا لأدائها، يحق للديمقراطية الأمريكية أن تكون إمبريالية، وأن تعبر عن نفسها بنظام إمبراطوري. السينما قاطرة الإمبراطورية السينما قاطرة الإمبراطورية، فمفهوم أن أمريكا فكرة أمة جرى تكريسه وإبرازه في السينما، وهذا المنتج القياسي، المنمط، المصنع والمفبرك، ما لبث أن أصبح أعظم مواد التصدير الأمريكية، حيث جرى تقديم فكرة الذات إلى العالم. وتم من خلالها أبلسة الثقافات الأخرى. واستيعابها فإلحاقها بالركب. أساس النجومية ثامنهذه النواميس أن الشهرة هي عملة الإمبراطورية الدارجة، فهي وسيلةاقتناص انتباه الجمهور والإمساك به، وقدرة نجوم أمريكا على التحكم في اهتمام العالم كله هي قاعدة إمبراطورية شيدت على التجارة ومن أجلها. إن التقنيات التى تصنع النجوم هي ذاتها المستخدمة لترويج السلطة السياسية وإدامتها، ويقوم النجوم بتجسيد قيم وأفكار يجرى عكسها على الكرة الأرضية، فتساعد على تعزيز نفوذ الإمبراطورية. الحرب ضرورة على الرغم من أن أمريكا تدعي أنها قلعة للسلام، وملاذ للديمقراطية والوئام، إلا أن الواقع مختلف جذريًّا عن التصور الذاتي، فقد انبثقت أمريكا من حرب معينة، توحدت وبنت صرح الأمة والدولة عبر الحرب، توسعت وبرزت بوصفها إمبراطورية من خلال الحرب، وهي الآن تصون هيمنتها الكوكبية عن طريق الحرب، فمنذ الحادي عشر من سبتمبر وهي دائبة على خوض الحرب ضد أكثر من نصف دول العالم. اقتصاد حرب اقتصادها اقتصاد حرب، علومها وتكنولوجياتها ذات جذور عميقة في تربة الآلة العسكرية، تدعم وتدير الآلة العسكرية الأكثر ضخامة وهولًا في التاريخ، إن صور الحرب ومجازاتها تملأ كل مناحي المجتمع والثقافة الأمريكيين، نجدها في الأفلام، في البرامج التليفزيونية، في ألعاب الفيديو، في الأزياء، في ألعاب الأطفال، في البرامج الاجتماعية وفي الخطاب السياسي. وتتويجًا لذلك لدينا مفهوم الحرب الوقائية الاستباقية، ترجمة مبدأ مونرو العائد لأوائل القرن التاسع عشر والمؤكد لحق أمريكا في الهيمنة الآمنة المضمونة على نصف الكرة الأرضية الغربي إلى خطة أو سياسة محافظين جدد تقضي بالسيطرة على كوكب الأرض بنصفيه الغربي والشرقي. وبالنسبة إلى أمريكا تبقى الحرب ضرورة؛ لأنها باتت علة وجودها. التراث والتاريخ وآخر هذه النواميس التراث والتاريخ الأمريكيان، روايتان كونيتان قابلتان للتطبيق عبر الأزمان والأمكنة كلها، حيث تتضافر النواميس من الأول إلى التاسع؛ لتقدم إطارًا معماريًّا ورواية أسطورية لفكرة أمريكا، تنظر إلى هذه الميثولوجيا ونواميسها لا على أنها تصورات محلية إقليمية، بل بوصفها رواية كونية شاملة، فالهيمنة الكوكبية ما لبثت الآن أن باتت مرادفة لعملية تصدير التاريخ والتراث الأمريكيين اللذين يمكن تطبيقهما وفرضهما على الجميع، فى الأمكنة كلها، في أي وقت. إنهما مجموعتا قيم كونية شاملة آخر المطاف. تقوم هذه النواميس، مجتمعة، بتحديد طبيعة الحلم الأمريكي، تفسر كيف ولماذا تتصرف أمريكا كما تفعل، فأصبحت كابوسًا كوكبيًّا، ونواميس الأمريكان لا تتحدد بانتخاب واحد، فهي ناشطة في الانتخابات كلها، قابلة للتطبيق على السياسة الداخلية الأمريكية، على السياسة الخارجية والثقافية عمومًا. وهذه النواميس باتت الآن، بعد أن أصبحت القوة العظمى المفرطة الوحيدة، مؤثرة في كل مواطن لأي بلد.