تأتي الرياح اليمنية بما لا تشتهي السفن السعودية، فمن الناحية العسكرية صنعاء وغيرها من المناطق اليمنية ما زالت تحت قبضة حركة أنصار الله والمؤتمر واللجان الشعبية، كما أن المعارك خرجت عن نطاق السيطرة، ولم تعد محصورة في الجغرافيا اليمنية، وامتدت لتطال أراضي في المملكة السعودية، وأعلنت وزارة الدفاع اليمنية الأسبوع الماضي مقتل 10 جنود سعوديين وتدمير آليات عسكرية في عملية للجيش اليمني، واستهدفت اللجان موقع المعزاب في جيزان، إضافة إلى قصف مواقع في نجران. ومن الناحية السياسية حدث ولا حرج، فبعدفشل المفاوضات اليمنية المنعقدة في الكويت بين الوفد الوطني المتمثل في حركة أنصار الله وحليفه المؤتمر الشعبي، ووفد الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، والتي كانت الرياض تسعى من خلالها لتحقيق مكسب سياسي بنزع سلاح حركة أنصار الله، ثم التفاوض على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما رفضه الوفد الوطني، أعلن الوفد الوطني عن تشكيل مجلس رئاسي باليمن، الأمر الذي شكل صفعة قاسية على وجه السياسة السعودية في اليمن، فالرياض تسعى جاهدة لعدم الاعتراف بهذا المجلس، وفي هذه الأثناء دخلت روسيا مؤخرًا على خط الأزمة اليمنية، ودعمت بقوة المجلس الرئاسي اليمني. المجلس الرئاسي اليمني أدى المجلس الرئاسي اليمين الدستورية في البرلمان اليمني الأحد الماضي، ويتكون من 10 أعضاء مناصفة بين حزب المؤتمر الشعبي العام، وهو حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وحركة أنصار الله وحلفائهما السياسيين. الاعتراف بالمجلس الرئاسي من قبل البرلمان اليمني يعني بالضرورة إلغاء شرعية الرئيس المستقيل منصور هادي، وإقرارًا ضمنيًّا وعلنيًّا بنقل صلاحياته إلى هذا المجلس السياسي (الرئاسي عمليًّا)، والشروع في إجراءات تشكيل حكومة جديدة أحادية الجانب، إلى أن يتم التوصل إلى مفاوضات سياسية تفرز معطيات جديدة، في ظل التعنت السعودي في عرقلة أي بوادر لحلحلة الأزمة السياسية عن طريق المفاوضات بين الأطراف اليمنية المتصارعة. وكان البرلمان اليمني قد اجتمع السبت الماضي للمرة الأولى منذ العدوان السعودي على اليمن قبل عامين تقريبًا، في خطوة تمثل دعمًا لحركة أنصار الله والمؤتمر الشعبي وتحديًا لحكومة هادي المدعومة من السعودية. وحسب مصدر برلماني فإن الذين حضروا هم 140 عضوًا من إجمالي 301 هم قوام البرلمان اليمني، فيما غاب نواب حزبي الاشتراكي والتنظيم الناصري عن الجلسة التي يشترط فيها بموجب المبادرة الخليجية التوافق للانعقاد أو التصديق على القرارات، وليس الأغلبية. وقال رئيس المجلس، يحيى الراعي، إن مجلس النواب يصدِّق ويبارك بالإجماع تشكيل المجلس السياسي الأعلى لحكم البلاد من أقصى الشمال إلى عدن جنوبًا، ومن الشرق إلى الغرب مع الحدود اليمنية الرسمية. ووفقًا للبرلمانيين الحاضرين فإن التصويت قانوني، وجرد شرعية الرئيس المنفي وحكومته، وبذلك يكون البرلمان قد بارك الاتفاق السياسي الذي تمخض عنه تشكيل المجلس السياسي الأعلى لتوحيد جهود مواجهة تحالف العدوان السعودي. وانتخب المجلس السياسي الأعلى للجمهورية اليمنية في اجتماعه الأول بصنعاء صالح علي الصماد رئيسًا للمجلس الرئاسي والدكتور قاسم محمد غالب لبوزة نائبًا له. وأعلن الصماد، الأحد الماضي، أن انعقاد مجلس النواب وتأييده للاتفاق السياسي يُعد انتصارًا كبيرًا على من يدعي الشرعية في البلاد. وخلال تأديته القسم أمام مجلس النواب كسلطة جديدة منبثقة عن الاتفاق السياسي الموقع في صنعاء 28 يوليو 2016 بين أنصار الله والمؤتمر الشعبي، دعا الصماد المجتمع الدولي إلى احترام الشعب اليمني وخياراته السياسية ومراجعة موقفه من العدوان، كما دعا تحالف العدوان إلى مراجعة حساباته الخاطئة وإيقاف العدوان فورًا. دعم روسي أعلن القائم بأعمال السفارة الروسية بصنعاء، أوليغ دريموف، تأييد بلاده تشكيل المجلس السياسي الأعلى في اليمن، واصفا هذه الخطوة ب "الصائبة". وأشار الدبلوماسي الروسي، خلال حضوره مراسم استلام وتسلم السلطة بين اللجنة الثورية والمجلس السياسي بصنعاء، إلى "أنه وبشكل عام، هذه الخطوة في الاتجاه الصحيح، حيث هناك مشاركة جماهيرية أوسع من خلال أكبر الأحزاب في هذه السلطة الواقعية"، وأكد أن "روسيا أيدت، ولا تزال، كل الجهود الرامية إلى إيجاد تسوية سلمية وسياسية، ومن بينها تشكيل المجلس السياسي الأعلى، ونتمنى للشعب اليمني التوفيق في هذا الاتجاه". وقال دريموف في حديث تليفزيوني لقناة "اليمن اليوم"، المملوكة للرئيس اليمني السابق صالح، إنه يتمنى ألا تكون الشرعية موضوع خلاف بين الشعب اليمني. وعلى الرغم من تأكيد نائب رئيس الوزراء ووزير الخدمة المدنية والتأمينات، عبد العزيز جباري، أنه لا يجب بناء موقف على كلمة قالها القائم بأعمال السفارة الروسية بصنعاء، إلا أن هذا ليس موقف روسيا الأول الداعم للمجلس السياسي اليمني، فموسكو استطاعت تعطيل مقترح بريطاني يدعو دول مجلس الأمن إلى أن تعرب فيه عن قلقها إزاء إعلان تشكيل "المجلس السياسي" واعتباره أمرًا متعارضًا مع التزامات دعم السلام التي ترعاها الأممالمتحدة، وبذلك تكون روسيا قد مهدت لقيام المجلس، ومنحته الحصانة من أي انتقادات دولية. إن رهان دول كروسيا وإيران على المجلس الرئاسي الجديد واقعي إذا ما تم النظر إلى التركيبة السياسية في اليمن، فحزب الرئيس اليمني السابق صالح، وهو المؤتمر الشعبي العام، له شعبية كبيرة، ويأتي بعده في الجماهيرية حركة أنصار الله في الشمال، والإصلاح في المناطق الوسطى، والحراك في الجنوب، ويبقى مدعي الشرعية الحالي الرئيس المستقيل هادي منصور كأضعف جماهيرية سياسية في اليمن. ويرى مراقبون أن موسكو رفضت العرض السعودي الذي يقضي بمنح الرياض نفوذًا أكبر بالشرق الأوسط لروسيا في حال تخليها عن الرئيس السوري بشار الأسد، وكأن لسان الحال الروسي يقول للرياض: نحن من يمنحك نفوذًا في الدول المحيطة بكِ إذا أردنا.