تعرض الحزب الحاكم بجنوب إفريقيا إلى نكسة تاريخية بالانتخابات المحلية في اليومين الماضين بعد أن تفوق عليه في العاصمة بريتوريا التحالف الديموقراطي، حزب المعارضة الرئيسي، وفق نتائج أعلنتها لجنة الانتخابات، ليسجل حزب الرئيس جاكوب زوما، أسوأ نتيجة له منذ صعوده إلى سدة الحكم في أعقاب نهاية عصر الفصل العنصري الذي أطاح به الزعيم نيلسون مانديلا. وحاز التحالف الديمقراطي المعارض في بلدينة تشوان التي تضم العاصمة الجنوب إفريقية بريتوريا 43.1 % من الأصوات مقابل 41.2% للمؤتمر الوطني الإفريقي الذي كان يتمتع بالغالبية المطلقة في هذه المدينة، بحسب نتائج نشرت إثر انتهاء الإحصاء الكامل لأصوات الانتخابات التي جرت الأربعاء. وتعتبر هذه الهزيمة الثانية بعد خسارة أخرى منى بها المؤتمر الوطني الإفريقي الجمعة الماضية في مدينة نيلسون مانديلا، والتي تضم بورت إليزابيث، معقل النضال ضد الفصل العنصري، والمنطقة ذات الثقل الصناعي الواسع في العصر الراهن، وفاز فيها أيضا التحالف الديموقراطي محرزا 46.7 مقابل 40 % للمؤتمر الوطني. وستعيد نتائج الانتخابات المحلية تشكيل الساحة السياسية في جنوب إفريقيا التي يتولى فيها حزب المؤتمر الوطني الحكم دون معارضة تقريبا منذ إنهاء حكم الأقلية البيضاء عام 1994 على يد نلسون مانديلا، لكن البطالة والأزمات الاقتصادية المتتالية وفضائح الرئيس الجنوب الإفريقي جاكوب زوما دفعت الناخبين إلى إحياء فرص المعارضة في الظهور بالمشهد السياسي ومعاقبة الحزب الحاكم مما يغير التوقعات تجاه الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في 2019، كما يمكن أيضا أن يشجع منافسي زوما من داخل حزبه على تحديه. وكان التحالف قد انتخب العام الماضي أول زعيم أسود له وهو مموسي مايماني، في إطار مساع لتغيير صورته كحزب يخدم مصالح البيض بالأساس، حيث لدى هذا التحالف جذوره في المعارضة الليبرالية البيضاء للتفرقة العنصرية، وظل حزبا يقوده البيض حتى العام الماضي. يقول رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما إن الانتخابات البلدية التي تراجع فيها حزبه أديرت جيدا وبرهنت على نضج الديمقراطية في بلاده، مؤكدًا أن "هذه الانتخابات شهدت تنافسا شديدا، وروجت الأحزاب المتنافسة لوجهات نظرها في محاولات لكسب تأييد الناخبين، وهذا ما يجب أن يكون في أي ديمقراطية". فضائح الرئيس في الشهور القليلة الماضية تعددت الأزمات داخل الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا على خلفية اتهامات موجهة للرئيس بإهدار المال العام وتدخل رجال أعمال مقربين منه في مسائل سياسية، إلا أن الحزب الحاكم رفض هذه الاتهامات ومنح ثقته الكاملة لزوما مرة أخرى. وكانت هناك قصة تسربت للعلن تخص الرئيس زوما سببًا في زيادة الانتقادات له حيث خرج المتحدث السابق باسم الحكومة الجنوب إفريقية في مارس الماضي ثيمبا ماسيكو، ليتحدث عن أن الرئيس له علاقة بملفات فساد، وأعلن أن: "زوما طلب منه خلال اتصال هاتفي في 2010 الاجتماع مع عائلة جوبتا التي تضم رجال أعمال ولدوا في الهند وانتقلوا إلى جنوب إفريقيا خلال تسعينات القرن العشرين ليطلب مني مساعدتهم في مشاريعهم الاقتصادية"، الأمر الذي أحرج الرئيس وأظهره في وضع صعب بالبرلمان، بعد تداول الموقف على أنه خضوع لأسرة كبيرة ثرية قد تكون تدخلت في الحياة السياسية. ولم يقتصر الأمر على تسريبات المتحدث باسم الحكومة السابق، فالأمر أثاره الكثير من الوزراء في الحكومة أكثر من مرة وأكد نائب وزير المالية سيبيسي جوناس، أن أسرة جوبتا القريبة من الرئيس اقترحت عليه تولي حقيبة المال في وقت سابق، وهو ما نفته الأسرة الهندية، كما اتهم عضو آخر في الحزب الحاكم زوما، بأن عائلة جوبتا اتصلت به لتولي منصب وزاري مقابل تقديم خدمات لمؤسساتها، كما أكدت بعض وسائل الإعلام، أن أسرة جوبتا حاولت تعيين وزير مناجم، الحقيبة المهمة في جنوب إفريقيا حيث تبقى الموارد المعدنية أول مصدر للإيرادات. ويصر زوما على أن علاقاته بعائلة جوبتا ليس بها أي أسرار، إلا أن وثائق تداولتها المعارضة مؤخرا بأن دودوزانى ابن زوما يعمل مديرًا لست شركات على الأقل إلى جانب أفراد من عائلة جوبتا، وهو ما عمل على شحن الحياة السياسية وزاد من غموضها، الأمر الذي تخوف منه المستثمرون خشية أن يؤدي هذا الأمر إلى تخفيض التصنيف الائتماني للبلاد وبالتالي زيادة تكاليف الاقتراض على جنوب إفريقيا، لاسيما بعدما أججت المزاعم المخاوف بشأن الحكم والاستقرار فى جنوب إفريقيا وطالبت المعارضة زوما بالاستقالة. وبعيدًا عن علاقة زوما بعائلة جوبتا يتهم معارضون الرئيس بالفساد المالي، ويؤكدون أنه يتوجب عليه سداد مبالغ أنفقها لإحداث تحسينات غير ضرورية ببيته الريفي في قرية نكاندلا، وتقدر المبالغ بما يقارب 20 مليون يورو، ومنذ ذلك الحين تهاجم أحزاب المعارضة زوما في البرلمان وتطالبه بالرحيل بسبب رفضه إعادة جميع الأموال، كما برزت انتقادات حتى من داخل الحزب الحاكم. التخبط الاقتصادي وبعيدًا عن ما عرف بفضائح الرئيس زوما وتأثير ذلك على الانتخابات المحلية، يواجه زوما الكثير من الانتقادات نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي والبطالة المرتفعة، وعدم توفر الإسكان، وتدهور قطاعي التعليم والصحة، حيث ألقى هذا بظلاله على نتيجة الانتخابات. وفي هذا السياق؛ قال موقع "أوول أفريكا" إن هناك حالة غضب شديدة من قبل جزء من الشعب الجنوب الإفريقي إلى مستويات غير مسبوقة تجاه سياسة زوما، وفقا لنتائج استطلاع رأي نشرت نوفمبر الماضي، حيث هناك 2 من كل 3 في جنوب إفريقيا لا يثقون بالرئيس، وما يقرب من النصف أصبحوا ينظرون إليه ومن حوله على أنهم فاسدون. وبحسب الإحصائيات الاقتصادية، تمر جنوب إفريقيا التي تعتبر من أغنى دول القارة الإفريقية بأزمة اقتصادية عاصفة، ويرى مراقبون أن البلاد غارقة في حمى مفارقات حيث تكثر حالات عدم المساواة، كما أن الفقر يمس 39% من مجموع السكان، والبطالة تضرب 25% من القوى العاملة، كما تشير التوقعات إلى أن النمو حتى عام 2017، لن يتجاوز 1.1%.