حين دخلت مصر في موسم الانتخابات 2011-2012، وهي أول انتخابات عقدت منذ نهاية الربيع العربي، كانت الأجواء السياسية في البلاد قابلة للنقاش، وضعت جماعة الإخوان، التي أغرقت البرلمان، مرشحها للانتخابات الرئاسية، وهي الجماعة التي لم تكن قادرة أبدًا على تحدي القادة العسكريين الذين حكموا مصر منذ الخمسينيات. لم تكن لدى الجماعة خبرة، وخلال الانتخابات الرئاسية توجه العلمانيين للتصويت للمرشح حمدين صباحي، ولكن فاز محمد مرسي، مرشح الإخوان في يونيو 2012، واحتفل أنصار الإخوان بشكل صاخب مبتهجين في الشوارع. قبل أكثر من عشرة أعوام، وتحديدًا في عام 2002، ساد تركيا جو مماثل، حيث الأمل والخوف من التصويت للحكومة ذات الميول الإسلامية، وحينها اصبح رجب طيب أردوغان رئيسًا للوزراء. القوى الإسلامية في تركيا، والتي تتجسد في أردوغان وحزب العدالة والتنمية، شقت طريقها إلى الأعلى؛ لتتفوق على منافسيها العلمانيين والليبراليين، وحتى الآن أصبح أردوغان الرئيس، ويسيطر على المشهد السياسي، ويبدو أنه هو وحزبه يسيطران على المشهد السياسي على المستقبل البعيد في تركيا، خاصة بعد محاولة الانقلاب. تجربة مصر مع الحكم الإسلامي لم تدم طويلًا، حيث تراجعت إدارة الإخوان بنفس السرعة التي صعدت بها، ولكن الاحتكاك بين القاهرةوأنقرة يوجد به الكثير من أوجه التشابه رغم الخلافات الأيديولوجية. مصر وتركيا لهما أهميتهما البحرية والبرية؛ نظرًا لموقعهما الجغرافي على البحر المتوسط، وكل منهما مفتاح للتجارة والهجرة، حى قبل ألف سنة، وكل منهما بوابات رئيسية لموجات المهاجرين التي تتدفق إلى أوروبا. منذ آلاف السنيين يتجمع المصريون حول نهر النيل، ولكن على النقيض يتناثر سكان تركيا في أنحاء البلاد، وسكانها مزيج من الأعراق التي كانت في أحد الأيام من أسباب ضعف الدولة، وكانت مركزية السلطة أبسط بكثير في القاهرة من أنقرة، حتى وقعت مصر تحت الحكم العثماني في عام 1517، وجاءت القاهرة تحت الدولة العثمانية الواسعة، ومنذ ذلك الحين بدأت مصر في التماشي مع تركيا. وبعد سقوط الدولة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، اخذت الدولتان مسارًا متوازيًا، خلال القرن العشرين، أعلن القادة المصريون والأتراك ولاءهم لبعضهم؛ لبناء دولة تجتاح منطقة الشرق الأوسط، وعلى سبيل المثال لا يزال القائد والزعيم المصري جمال عبد الناصر يحظى باحترام المصريين حتى اليوم، والذي أخذ بعض أفكاره من الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك، الشخصية التي رسخت للعسكرية والعلمانية في تركيا. كل منهما صنع سياساته، ومكن الجيش من الحكم، وحتى الآن يتضح تأثر البلدين بالثقافة الواحدة. تبادلت الشخصيات الدينية الأفكار بين مصر وتركيا حتى القرن العشرين، وظهرت الجماعات الإسلامية لتزعزع استقرار الدولتين، وتحدى السلطة الحاكمة، ففي العشرينيات تأسست جماعة الإخوان في مصر على يد حسن البنا، وبعد عقود من الزمان ظهر نجم الدين أربكان، الذي أسس الإسلام السياسي في تركيا، وأصبح رئيسًا للوزراء في التسعينيات، وبعدها انقلب الجيش ضده، ومن المفارقات أن ما فعله الجيش التركي مع أربكان حدث في مصر مع مرسي. وبعد سقوط الإخوان في مصر، بدأت التوترات بين أنقرةوالقاهرة، وحاولت المملكة العربية السعودية التوسط لعودة العلاقات بين البلدين؛ لتشكيل تحالف طائفي في المنطقة، ورفضت تركيا؛ حتى لا تغذي طموحات الرياض الإقليمية على حساب نفسها، ولم تكن لدى الرياض القدرة على إجبار القاهرة على تجاهل دعم أنقرة للإخوان. وما زاد الأمور تعقيدًا اجتماع مصر مع حزب العمال الكردستاني، والذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية. كل ما سبق لا يعني أن مصر وتركيا لديهما القليل من المصالح المشتركة، فعلى سبيل المثال كل منهما يود التعاون سويًّا للعمل ضد تنظيم داعش الإرهابي، وتطوير منطقة الشرق الأوسط.