في تحد جديد للحكومة الإثيوبية، تظاهر عشرات الآلاف من الإثيوبين من أثنية الأمهر بشوارع «جوندر» بمنطقة «أمهرة» شمال إثيوبيا، الأحد، في تحرك احتجاجي هو الاضخم الذي تشهده هذه المنطقة منذ أسابيع، بحسب وسائل إعلام محلية، وذلك للمطالبة بتغيير الحكومة نتيجة ما وصفوه بانتشار الفساد وسوء توزيع ثروات البلاد. وتشهد جوندر منذ أسابيع عديدة تظاهرات تخلل بعضها أعمال عنف احتجاجا على قرار الحكومة ضم مقاطعة وولكيت إلى منطقة تيجري المجاورة لمنطقة أمهرة، في حين يؤكد المتظاهرون أن المقاطعة تنتمي إلى منطقتهم ويتهمون الحكومة بتفضيل منطقة تيجري التي ينحدر منها العديد من القادة الإثيوبيين، بمن فيهم قادة الجبهة الشعبية الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية (الحزب الحاكم بأغلبية التيجري)، وعلى الرغم من أن التظاهرات السابقة لأثنية الأمهرة أسفرت بحسب السلطات الإثيوبية عن عدد من القتلى، فإن تظاهرة الأحد مرت بسلام ولم تشهد أعمال عنف كسابقتها. الصور التي نشرها متظاهرون من مكان التظاهرات عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت مدى الخلافات التاريخية بين العرقيات والإثيات الإثيوبية، ففضلًا عن أنها أوضحت مدى الغضب من الأوضاع الاجتماعية الحالية إلا أنها أبرزت تاريخًا من الصراع على الحكم والسلطة، وحمل الأمهريون الأعلام واللافتات الإثيوبية التي كتب على بعضها عبارات «احترموا الأمهريين.. وأوقفوا هيمنة الحزب الحاكم»، و«كفوا عن قتل الأمهريين»، و«أعيدوا لنا حدودنا التاريخية»، كما أخذ الأمهريون يرددون هتافات ضد النظام والحكومة. وأوضحت وكالة "يورو نيوز"، أن تظاهرات الأمهريين المطالبة بتغيير النظام تضامنت أيضا، لأول مرة بشكل مفاجئ، مع احتجاجات الطائفة الإثنية الأخرى "أوروميا"، التي اندلعت في نوفمبر الماضي وحتى مارس التي عارضت خطة الحكومة للتنمية خوفا من الإضرار بمزارع الفلاحين وتخللتها أعمال عنف أوقعت بحسب منظمات حقوقية مئات القتلى. تنقسم إثيوبيا إلى عدد من العرقيات، وأسماها الباحث الإيطالي كونتي روسيني «متحف الشعوب» لكثرة ما فيها من عروق وقوميات، غير أن أهم الجماعات والعرقيات، من حيث عددها أو هيمنتها على شؤون البلاد 3 أعراق هي «الأمهرة» ويمثلون 25% من عدد السكان الإثيوبيين و«الأورومو» أكثر القوميات في إثيوبيا عددا، ويؤلفون وحدهم ما يقرب من نصف سكان البلاد، و«التيجري» أو بالإثيوبي «تكراي» وهم يمثلون 12% من السكان ويشكلون الحزب الحاكم في الوقت الراهن. وبحسب الإحصائيات، يعد الأمهريون ثاني أكبر إثنية في إثيوبيا بعد الأورومو، ويتنامى في أوساط هاتين الإثنيتين في الفترة الأخيرة شعور بالظلم، ويقولون إن المناصب الرئيسية في الحكومة وأجهزة الأمن يتولاها أفراد من التيجري التي تعد الثالثة. مَن هم الأمهريون؟ الأمهره هم مجموعة عرقية تعيش في وسط مرتفعات الحبشة يتكلمون اللغة الأمهرية، لغة إثيوبيا في الوقت الراهن، واللغة الرسمية للإمبرطورية الحبشية التاريخية، وبدأ ظهورهم في الأسرة الحاكمة المسماة «السليمانية» في الثلث الأخير من القرن الثالث عشر، وهيمنوا منذ ذلك الحين، حتى القرن قبل الماضي، على جميع القوميات الأخرى وجعلوا لغتهم لغة البلاد الرسمية، ويقدر عددهم اليوم بحوالي 23 مليونا من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 95 مليون يتوزعون في 3 ولايات هي شوا، وولو، وبكمدير، ومن الحكام التاريخيين لعرق الأمهرة منليك الثاني الذي حكم اثيوبيا في ثمانيات القرن قبل الماضي. منليك الثاني امبراطور اثيوبيا (1889-1913) يتبع معظم الأمهريون الديانة المسيحية الأرثوذكسية، وقد تحولوا إلى المسيحية في القرن الرابع الميلادي وبقيت معتقداتهم دون تغيير منذ ذلك الحين، ويستعملون لغة "القيز" في طقوسهم، وهي لغة قديمة لم تعد تستخدم إلا في الكنيسة، وتعتبر الكنيسة الأمهرية مختلفة عن المسيحية المعهودة، إذ إنها تمزج بين تعاليم التوراة والإنجيل والمعتقدات الوثنية الشعبية، ويمكن اعتبارها خليطا من 4 معتقدات. صعود التيجري الاحتجاجات الأخيرة التي تشهدها إثيوبيا تعبر عن الشكل الطبيعي لاختلاف القوميات والعرقيات داخل الدولة الإثيوبية وما آلت إليه بتغيير أشكال الحكم في على مر العصور التاريخية خاصة في القرن العشرين، فمنذ القرن الثالث عشر ويحكم إثيوبيا عرقيتان هما الأمهرة والتيجري، باختلاف الفترات، وفي عام 1889 سيطر الأمهريون على السلطة بعد وصول منليك الثاني إلى الحكم، واستمرت سيطرتهم حتى منتصف الأربعينات في القرن الماضي عندما سيطر نظام هيلاسلاسي على الحكم والقريب من الفكر الشيوعي. هيلاسلاسي آخر أباطرة إثيوپيا وتعد الأحزاب السياسية في إثيوبيا ظاهرة حديثة نسبيًا، فخلال سنوات حكم الإمبراطور هيلاسلاسي كان تأسيس الأحزاب السياسية نشاطًا محظورا، وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبته التنظيمات العمالية والطلابية في الإطاحة بنظام هيلاسلاسي عام 1974 إلا أن "نظام الدرج" الذي خلف حكمه لم يمنح هذه التنظيمات أو العرقيات الفرصة لتكوين أحزاب سياسية، إذ أقر نظام الحزب الأوحد ممثلا في حزب عمال إثيوبيا وواجه أية محاولة للخروج على هذا النظام أو إنشاء تنظيمات سياسية موازية بالقمع. هذا العنف الموجه ضد إنشاء الأحزاب السياسية أثر على طبيعة المشهد بعد ذلك، حيث نشأت غالبية الأحزاب كحركات انفصالية مسلحة بنيت على الانتمائات الإثنية، وفي محاولة للحركات الانفصالية لتوحيد جهودها للإطاحة بنظام الدرج تم تشكليل جبهة شعب إثيوبيا الديمرقراطية الثورية، وهي تنظيم موسع ضم عددًا من الحركات والعرقيات التي تعبر عن كل جماعة إثنية، حيث تحالفت حركة تحرير شعب تيجري مع حركة أمهرة الديمقراطية وانضمت لهما جبهة تحرير الأورومو. مع الوقت استطاعت حركة تحرير تيجري أن تتزعم هذه الجبهة وهو الوضع الذي برره التيجريون بأنهم من قاموا أولا لإنشاء التحالف، فضلًا عن كون حركة تحرير تيجري القوة العسكرية الأكبر في الجبهة، الأمر الذي أدى إلى إبعاد الأمهرة عن الحكم، وظلت قبيلة التيجري مسيطرة منذ ذلك الوقت على الحكومات المتتالية مع مشاركة أعضاء قليلين من عرقية الأمهرة، الأمر الذي خلق العديد من الأزمات بين العرقيتين آخرها المظاهرات الأخيرة. اتهامات متبادلة وفي الوقت الراهن، وبسبب المشاكل المتتالية بين الحكومة الإثيوبية مع إريتريا على الحدود والمناوشات العسكرية المتبادلة بين الجانبين، أكدت الحكومة الإثيوبية أن أي مظاهرات عرقية وإثنية تحركها إريتريا، واتهمت المتظاهرين الأمهريين بأنهم مدعومون من إريتريا بهدف زعزعة الاستقرار. هذا الاتهام قابله اتهام من جبهة تحرير أمهرة التي تمثل الشعب الأمهري بتنفيذ خطة ممنهجة من قبل الحكومة لتدمير المناطق الأمهرية لتغيير معالم التاريخ الإثيوبي الذي كان يمثل الأمهريون فيه السلطة في جميع مراحله، وأكدت الجبهة في بيان سابق لها أن الحكومة الإثيوبية تسعى لتدمير «بحر دار» عاصمة الإقليم الأمهري من خلال نشر السموم وتحويل الأراضي الزراعية والمنتجعات السياحية إلى مصانع ومدابغ للجلود. وقالت الجبهة، إن حكومة التجري في أديس أبابا، تسعى للقضاء على شعب الأمهرة وتراثه الحضاري والثقافي من خلال تدمير عاصمته بحر دار العاصمة التاريخية لإمبراطورية الحبشة وإثيوبيا، وأكبر مدينة سياحية في البلاد تضم مزارات دينية وتاريخية. وطالبت الجبهة منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو» بالتدخل الفوري، وإيقاف مصانع ومدابغ الجلود ومنع الحكومة الإثيوبية من إقامة المزيد من المشروعات في المدينة لحماية التراث الثقافي والحضاري في بحر دار وإنقاذ سكانها من الموت والتشرد، خاصة أنها حصلت على جائزة المنظمة في عام 2002.