تجديد تكليف حسن عبد الله محافظا للبنك المركزي للمرة الثالثة    التخطيط: ارتفاع عجز الميزان التجاري في مصر 28.9% خلال يونيو الماضي.. ويقفز 53.2% على أساس سنوي    مباحثات سورية سعودية بشأن تعزيز الاستثمار والتعاون الثنائي    وزيرة التضامن: مصر لم تغلق معبرها مع غزة ولن تتوقف عن إرسال المساعدات    «أزمة بدون لازمة».. إبراهيم نور الدين ينتقد معروف بعد طرد محمد هاني أمام فاركو    الأرصاد: غدا طقس شديد الحرارة رطب نهارا مائل للحرارة رطب ليلا والعظمى بالقاهرة 37    عودة فقط ببرنامج باب الخلق.. تفاصيل اجتماع محمود سعد مع أحمد المسلماني في ماسبيرو    انطلاق حفل تكريم الفائزين في مسابقة ثقافة بلادي 2    محافظ المنوفية يترأس مجلس إدارة المنطقة الصناعية ويؤكد دعمه للاستثمار    ضبط أصدقاء السوء بعدما تخلصوا من جثمان صديقهم بالعاشر    شراكة استراتيجية بين جامعة بنها ومؤسسة أخبار اليوم لتأهيل جيل جديد من الإعلاميين    للكبد والكلى.. 907 موافقات من «الصحة» لزراعة الأعضاء خلال 2025    تنسيق الجامعات 2025.. اليوم إغلاق باب التسجيل لطلاب مدارس النيل والمتفوقين    أستراليا تلغي تأشيرة عضو بالكنيست وتمنعه من دخول أراضيها    رئيس الوزراء يشارك في قمة «تيكاد 9» باليابان    تمكين الشباب.. رئيس جامعة بنها يشهد فعاليات المبادرة الرئاسية «كن مستعدا»    سبورت: بافار معروض على برشلونة.. وسقف الرواتب عائقا    إجراءات حاسمة من «التعليم» بشأن العقاب البدني وغياب الطلاب في العام الدراسي الجديد    الرقابة المالية: 3.5 مليون مستفيد من تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حتى يونيو 2025    مواعيد انطلاق القطارات من بنها إلى الإسكندرية الاثنين 18 أغسطس    بعد تآكلها.. إصلاحات شاملة لطريق مصر أسوان الزراعي الشرقي بإسنا    تووليت وكايروكي يحيون ختام مهرجان العلمين الجديدة (أسعار التذاكر والشروط)    تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما الأحد (تفاصيل)    جولة غنائية عالمية.. هيفاء وهبي تستعد لطرح ألبومها الجديد    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    فقدان أجهزة كهربائية.. محافظ سوهاج يُحيل مخالفات المجمع الزراعي ببرديس للتحقيق    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    تحذير رسمي.. عبوات «مجهولة» من «Mounjaro 30» للتخسيس تهدد صحة المستهلكين (تفاصيل)    نزع ملكية أراضي وعقارات لإنشاء محور دار السلام على النيل    "العدل": على دول العالم دعم الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    أكرم القصاص: مصر قدمت 70% من المساعدات لغزة وقادرة على تقديم المزيد    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    "كان بيطفي النار".. إصابة شاب في حريق شقة سكنية بسوهاج (صور)    الشيخ خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمامة" شرف الأمة    بالصور- محافظ المنيا يتفقد الأعمال الإنشائية بمدرسة الجبرتي للتعليم الأساسي    "قصص متفوتكش".. 3 رصاصات تنهي حياة لاعبة سموحة.. وتحرك عاجل لبيراميدز    الفنانة مي عز الدين تخطف الأنظار فى أحدث ظهور من إجازتها الصيفية    بعثة يد الزمالك تطير إلى رومانيا لخوض معسكر الإعداد للموسم الجديد    حظك اليوم.. تعرف على توقعات الأبراج اليوم الاثنين    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: دخول 266 شاحنة مساعدات منذ الجمعة والاحتلال سهل سرقة معظمها    رضا عبدالعال: خوان ألفينا سيعوض زيزو في الزمالك.. وبنتايج مستواه ضعيف    أيمن الرمادي ينتقد دونجا ويطالب بإبعاده عن التشكيل الأساسي للزمالك    ضبط أطراف مشاجرة بالسلاح الأبيض في المقطم بسبب خلافات الجيرة    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    وفاة شاب صدمته سيارة مسرعة بطريق القاهرة – الفيوم    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    إسرائيل تقر خطة احتلال مدينة غزة وتعرضها على وزير الدفاع غدا    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    قوة إسرائيلية تفجر منزلا فى ميس الجبل جنوب لبنان    وزارة التعليم: قبول تحويل الطلاب من المعاهد الأزهرية بشرط مناظرة السن    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات الإثيوبية‏:‏ التعددية ومحاولات التعايش القومي
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 05 - 2010

تجري هذا الأسبوع الانتخابات البرلمانية الرابعة في إثيوبيا منذ وصول نظام الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا التي يقودها ميليس زيناوي إلي الحكم في عام‏1991‏ علي أنقاض نظام منجستو هايلي مريام ذي الطبيعة العسكرية الماركسية والذي كان قد وصل إلي الحكم بدوره عبر انقلاب عسكري أطاح بنظام حكم الامبرطور هيلاسلاسي الأول عام‏.1974‏
وقد سعي ميليس زيناوي منذ وصوله إلي السلطة إلي تأسيس نظام جديد ذي طبيعة فيدرالية‏,‏ وعقب الفترة الانتقالية الأولي التي استمرت‏3‏ سنوات جري إعلان الدستور الاثيوبي في‏1994‏ الذي قام علي أساس مبدأ فصل الدين عن الدولة وعلي إقامة نظام حكم برلماني تكون السلطة فيه بيد الحكومة صاحبة الأغلبية في البرلمان‏,‏ وتنقسم الهيئة التشريعية التي تسمي المجلس الاتحادي البرلماني إلي مجلسين هما المجلس الاتحادي ومجلس النواب‏.‏ حيث يتم انتخاب أعضاء المجلس الاتحادي وعددهم‏117‏ عضوا بواسطة المقاطعات الإثيوبية التسع التي تتكون منها إثيوبيا والتي تم تقسيمها علي أساس الانتماءات القومية المعتمدة علي الأصول العرقية‏,‏ بينما ينتخب الشعب‏548‏ نائبا لمجلس النواب‏.‏
وتجدر الإشارة هنا إلي أن آخر انتخابات برلمانية أجريت في عام‏2005‏ كانت قد أثارت الكثير من أعمال العنف والإحتجاجات التي أدت إلي مقتل أكثر من‏200‏ شخص وإعتقال أكثر من مائة من الناشطين السياسيين الذين رفضوا نتائج الانتخابات‏,‏ بدعوي أنها زورت لصالح رئيس الوزراء ميليس زيناوي‏.‏
التعدد الاثني والديني
تسود بعض المخاوف لدي المعارضة من تكرار سيناريو الانتخابات السابقة‏,‏ الأمر الذي يعكس حالة المخاوف المتزايدة من عدم قدرة النظام الحالي علي تحقيق استقرار داخلي يؤدي إلي تحقيق التعايش الوطني والديني في إثيوبيا التي ما زالت تعاني من الاحتقانات والتفاعلات الصراعية المرتكزة علي العرق والدين في دولة تزخر بتنوع هائل يحتوي علي أكثر من‏83‏ قومية‏/‏أثنية لمجمل تعداد السكان الذي يبلغ حوالي‏80‏ مليون نسمة في الوقت الحالي‏.‏
تمثل مجموعة الأورومو أكبر القوميات الإثيوبية بنسبة تفوق‏40%‏ من مجموع السكان‏,‏ تليها الأمهره التي تتراوح نسبتها بين‏25‏ 30%,‏ ثم ذوي الأصول الصومالية‏6‏ 8%,‏ وتأتي بعد ذلك قومية التيجراي التي ينتمي إليها رئيس الوزراء الحالي ونسبتها‏5‏ 7%,‏ بينما يحتوي إقليم جنوب إثيوبيا وحده علي حوالي‏56‏ قومية وأشهرها السيداما‏1.8‏ مليون نسمه والقرافي‏1.6‏ مليون والولاباشا‏1.2‏ مليون والهديا‏900‏ ألف نسمة‏.‏
أما الخارطة الدينية لإثيوبيا فهناك العديد من التناقضات بشأنها بين الإحصاءات الرسمية الحكومية‏,‏ مع المصادر الإسلامية حيث تشير المصادر الحكومية إلي تفوق المسيحية علي الإسلام بنسبة‏61.7%‏ للمسيحية مقابل‏32.89%‏ للإسلام و‏5.41%‏ للأديان الأخري الوثنية واليهودية‏.‏ في حين أن المصادر الإسلامية تضع الأغلبية والتفوق لدي الجانب الاسلامي الإسلامي بنسبة تقترب من‏80%‏ و تمنح النسبة المتبقية للمسيحية والديانات الأخري التقليدية والأقلية الهامشية لليهود الفلاشا‏,‏ ومن الواضح أن هذه النسب علي الجانبين تتسم بالمبالغة والتحيز الديني‏,‏ حيث تشير بعض الكتابات والمصادر الموضوعية المسيحية والإسلامية إلي وجود أغلبية إسلامية بنسبة تتراوح ما بين‏45‏ 50%.‏
ولعل هذا الوضع للتعدد العرقي والديني قاد إلي حتمية وجود تعددية ثقافية ارتكزت إلي ذلك المركب من تعدد العرق والدين واللغة والعادات والتقاليد وتعدد البيئة الطبيعية‏,‏ نتج عنه تباين واختلاف الثقافات التي تبدو بأنه لا جامع بينها‏,‏ لأنها غارقة في الخصوصية بسبب التباين والتعدد اللغوي والذي جاء مترادفا مع عدد المجموعات العرقية‏.‏ هذا التعدد العرقي والثقافي نجد مثيلا له أيضا في إطار اختلاف الموقع الجغرافي للاثنيات المختلفة وما يرتبط بذلك من اختلاف التضاريس في الهضبة الاثيوبية بين السهول والمرتفعات الشاهقة ومن ثم اختلاف المناخ المنتج بدورة لتعددية أنماط الإنتاج والعمل بين الزراعي والرعوي‏.‏
غير أنه يمكن ملاحظة أنه رغم إعلان مبدأ الفيدرالية وعلمانية الدولة طبقا للدستور‏,‏فان هناك مثلثا يسيطر علي السلطة يتمثل في تحالف بين الديانة المسيحية واللغة الامهريه والقومية المسيطرة في تحالف ثنائي بين الامهرة والتجراي‏.‏
وهذا المثلث الذي يعبر عن أقلية عددية يظل هو الحاكم والمسيطر علي باقي مكونات الطيف الاثيوبي‏,‏ حيث ظلت المسيحية الأمهرية أو التجراوية في صراع دائم مع بقية المكونات العرقية الاخري التي تمثل هوية أثنية ودينية مختلفة كالأغلبية الإسلامية للارومو والعفار والصوماليين والهرريين وغيرهم‏.‏ ومن الواضح أن سيناريوهات ارتباط الدين بالسلطة وتأثير ذلك علي المجتمع تعتبر واحدة من المشكلات والمهددات لعملية التعايش والاندماج الوطني في إثيوبيا‏.‏
السعي إلي بناء الأمة
سعي الدستور الاثيوبي إلي استنباط بعض الحلول للتعددية الهائلة ومسألتي الاثنية والدين‏,‏ وغياب ما يمكن تسميته الوحدة الوطنية الإثيوبية‏,‏ من خلال النص علي إقامة حكومة فيدرالية وديمقراطية ذات نظام ديمقراطي برلماني ترتكز فيه العملية الفيدرالية علي الأساس العرقي واللغة والإدارة‏,‏ حيث حملت أسماء الولايات الصفة العرقية المعبرة عن الهوية الثقافية والسياسية للقوميات الكبيرة‏.‏ وبغرض إيجاد صيغة مرضية للتعايش جري النص علي المساواة بين اللغات علي أن تكون الأمهرية لغة عمل للحكومة الفيدرالية‏.‏
ولعل اخطر مواد الدستور التي سعت لمعالجة المشكلة العرقية هي المادة‏39‏ التي منحت جميع الأمم والقوميات والشعوب الإثيوبية الحق في تقرير مصيرها بنفسها بما في ذلك الانفصال‏,‏ مع تقييد ذلك بعدد من الإجراءات التي تستوجب تصويت ثلثي أعضاء المجلس التشريعي لصالح الانفصال‏,‏ مع تعريف محدد لمصطلحات الأمة والقومية والشعب‏,‏ وهي الفئات التي يحق لها الحصول علي حق الانفصال‏,‏ حيث يجري بعد ذلك استفتاء خلال‏3‏ سنوات‏.‏
أما فيما يخص المسألة الدينية‏,‏ فقد قرر الدستور مبدأ فصل الدولة عن الدين حيث فصل ذلك في ثلاث فقرات تنص علي عدم وجود دين للدولة وعلي عدم تدخل الحكومة في شئون الدين وعلي ألا تتدخل الأديان في شئون الدولة‏.‏ حيث ظهر واضحا أن دستور‏1994‏ م يعبر عن حلقة جديدة في سلم تطور النظام السياسي الإثيوبي الذي بدأ ملكيا ثم تحول إلي النظام الامبرطوري‏,‏ الذي أعقبه الشمولي العسكري وأخيرا الديمقراطي البرلماني الفيدرالي‏,‏ الذي سعي من خلال تبني علمانية الدولة‏,‏ إلي خلق مجموع وطني إثيوبي موحد‏,‏ تذوب فيه عصبيات الانتماءات الدينية والمذهبية المتعددة والصراعات الإثنية المعقدة‏.‏
ولكن من الواضح أيضا أن التجربة تعكس وتحمل الكثير من التناقضات‏,‏ فتجربة التعايش الوطني ما زالت متأثرة كثيرا بطبيعة التشكيل والتكوين ذا الطابع القومي للعرقيات الإثيوبية‏,‏ فإثيوبيا تعتبر متحفا للقوميات المتجاورة وليس للتعدد العرقي البسيط أو المعروف‏,‏ فإذا كانت القومية تعبر عن جماعة متجانسة ومتماسكة وذات هوية واحدة تجمع وتوحد بينها مشتركات وروابط العرق والدين واللغة والثقافة والتاريخ في إطار رقعة جغرافية محددة‏,‏ فهي تنطبق علي الأوضاع العرقية الإثيوبية‏,‏ فهي ليست ذات طبيعة قبائلية أو عشائرية مثل الصومال‏,‏ كما أنها ليست قبلية أو طائفية أو جهوية مثل السودان‏,‏ حيث تختلف في هذه الناحية عن باقي المكونات الاثنية في القرن الافريقي‏.‏
والشاهد أن الاثنيات الاثيوبية تتميز بخصوصية وتفرد الحدود والتباينات الفاصلة علي المستويات السلالية واللغوية والثقافية والدينية‏,‏ فالقومية الأمهرية بانتمائها إلي السلالة السامية ولغتها الأمهرية ذات الأصول السامية أيضا وديانتها المسيحية الأرثوذكسية وتطورها التاريخي تعد مختلفة بشكل كلي عن القومية الاورومية بأصولها السلالية الحامية ولغتها الأورومية وغالبيتها التي تدين بالإسلام‏.‏ وعلي هذا النمط يمكن تصور بقية الخريطة الاثنية‏(‏ القومية‏)‏ الاثيوبية التي تضم قوميات كبيرة لها أيضا خصوصياتها مثل التجراي والعفار الصومالية‏,‏ السيداما‏,‏ القراقي‏,‏ الهررية‏,‏ الهوبة‏,‏ الكامباتا‏,‏ والمكونات العرقية في مناطق بني شنقول وقامبيلا وإقليم الجنوب‏.‏ كل هذه التراكمات أدت إلي أن يصبح التكوين الاثيوبي الداخلي عبارة عن‏(‏ دولة الدول القومية المتحدة‏)‏ التي ما زالت تعاني من عدم القدرة علي صياغة وخلق أمة إثيوبية أو قومية إثيوبية‏,‏ تجمع بينها قواسم العيش المشترك والمواطنة والتعايش القومي أو الوطني بطريقة تسمح بتجاوز الخصوصيات القومية للإثنيات الاثيوبية‏,‏ الأمر الذي قد تكون مآلاته مطالب تقرير المصير أو الانفصال أو‏(‏ الاستقلال‏)‏ كما في حالة إريتريا‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.