أحدثت تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الخميس بشأن اعتقال السلطات التركية الطيارين التركيين اللذين أسقطا القاذفة الروسية نوفمبر الماضي، جدلًا عارمًا حول ما إذا كان "السلطان العثماني" هو بطل التراجع عن مبادئه ومواقفه السياسية في لحظة، وأنه قادر على نقل السلاح من كتف إلى آخر عندما تضطره مصلحته لذلك. حيث أكد أردوغان أن "الطيارين التركيين، اللذين أسقطا القاذفة "سو24" الروسية في أجواء سوريا، قد يكونان على صلة بالتنظيم الذي يقوده المعارض فتح الله جولن"، وأضاف "تم توقيف الطيارين، اللذين أسقطا الطائرة الروسية، في إطار قضية الانقلاب، ومن الممكن أن يكونا على صلة بتنظيم جولن". اللافت في كلام أردوغان أن اعتقال الطيارين التركيين قد تم بالفعل، وأن عملية الاعتقال تمت دون أدلة تثبت أصلًا صلة الطيارين بتنظيم جولن، حيث أشار أردوغان إلى أن "سلطات بلاده لا تتوفر لديها أدلة تثبت وجود صلة بين الطيارين التركيين وجولن"، مضيفًا أن "القضاء التركي عليه أن يصدر قرارًا بهذا الشأن". التحول المفاجئ والسريع في موقف أردوغان من طياريه كان صادمًا، فمن أبطال قوميين إلى مجموعة من الخونة والعملاء، خاصة أن اعتقالهم غير المبرر تم دون معلومات توثق صلتهما بجولن، كما أن اتهامات أردوغان لجولن بأنه وراء الانقلاب الفاشل الذي حدث يوم الجمعة الماضي ليس عليها أي دليل حتى الآن، فحتى أمريكا حليفة أردوغان طالبته بتقديم أدلة على كلامه، حيث دعا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تركيا إلى تقديم دليل دامغ على أن عالم الدين فتح الله جولن يقف وراء محاولة الانقلاب التي تم إحباطها الجمعة الماضية، وذلك إذا كانت ترغب في تسليمه. وبغض النظر عن اتهامات أردوغان لطياريه بالخيانة وتحول موقفه منهما، فإن السلطان العثماني نفسه تحوّل 180 درجة من مواقفه تجاه روسيا،. فبعد مواقفه المعلنة بأنه لا يمكن لدولة أن تجبر تركيا على الاعتذار على إسقاطها للطائرة الروسية، قام أردوغان بالاعتذار للرئيس الروسي فلاديمير بوتين على عملية الإسقاط، وليس هذا وحسب، بل تبرأ من عملية إسقاط القاذفة، فبعدما كان يعتبر أن إسقاطها ضرورة لحماية الأراضي التركية وواجب وطني، ناقد اعتقاده بالأمس، حيث قال "لا علم لنا حتى الآن إن كان إسقاط الطائرة الروسية مرتبطًا بالمجموعة الانقلابية". ويرى مراقبون أن تحول موقف أردوغان من طياريه بعد أن كان داعمًا لهما، خاصة بعد أن صفق أنصاره له بعد عملية الإسقاط، واعتبروها شجاعة منه ضد روسيا، ثم تراجعه عن موقفه بالقول إن من أسقط القاذفة الروسية كان يهدف لتوريط تركيا، يأتي في إطار صفقاته التي يحاول من خلالها تحسين علاقته مع الدول التي يجمعه معها خلاف، حتى لو كانت على حساب شعبه بالداخل، فروسيا اشترطت على أردوغان ثلاثة شروط لتطبيع العلاقة معه، الشرط الأول، والذي نفذه أردوغان، هو الاعتذار المباشر للجانب الروسي وإعرابه عن أسفه عمّا حدث، والثاني يتمثل في تعهد الرئيس التركي بتعويض ذوي الطيار الروسي الذي قتل في الحادث، والثالث معاقبة المتورطين في استهداف الطيار أوليغ بيشكوف، حيث كان الطيار الروسي بيشكوف قد لقي حتفه يوم 24 نوفمبر من العام المنصرم بعد أن أسقط سلاح الجو التركي قاذفة "سو-24" تابعة لمجموعة الطائرات الروسية في سوريا فوق ريف اللاذقية الشمالي بذريعة اختراقها المزعوم للمجال الجوي التركي. وعلى الرغم من أن قائد القاذفة وملاحها تمكنا من القفز من القاذفة قبل تحطمها، إلا أن مسلحين على الأرض أطلقوا النار عليهما عندما كانا يهبطان بمظلتيهما، وقتلوا قائد القاذفة بيشكوف. ويبدو أن ما فعله أردوغان بطياريه اللذين كانا على أتم الاستعداد للتضحية بأنفسهما في سبيل تحقيق أوامر السلطان العثماني بإسقاط أي طائرة روسية تخترق المجال الجوي التركي، واتهامه لهما فيما بعد بالتآمر عليه، يأتي في إطار المصالحة بين أنقرة وموسكو، وبذلك تكون روسيا قد استطاعت أخيرًا أن تحسم نزاعها مع تركيا لصالحها، وترغم أردوغان على التراجع عن موقفه، وتجبره على الاعتذار. وليست هذه الحالة الوحيدة لأردوغان، حيث تراجع عن كثير من مواقفه والتي دأب أن يربطها بالثوابت الوطنية والإسلامية، ففي الشهر الماضي تراجع عن موقفه الداعم لسفينة مرمرة، وذلك بعد مرور يومين فقط على توقيع اتفاق المصالحة بين العدو الإسرائيلي وتركيا، حيث هاجم منظمة IHHالتركية التي نظمت أسطول الحرية إلى قطاع غزة عام 2010، والذي تسبب في الأزمة الدبلوماسية بين الاحتلال وتركيا، على خلفية الهجوم الإسرائيلي على سفينة مافي مرمرة، الذي أدى لمقتل نشطاء أتراك كانوا على متنها. وقالت صحيفة ديلي صباح التركية إن أردوغان قال خلال إفطار رمضاني شارك فيه: هل سألتموني قبل تنظيم الأسطول؟ هل طلبتم الإذن؟ وأضاف: عندما تنظمون أسطولًا عليكم أن تسألوني. هل طلبتم الإذن من رئيس الحكومة قبل إبحار أسطول المساعدات الإنسانية من تركيا إلى غزة؟ وجاء رد منظمة IHH التركية أن "الاتفاق الذي أعلنت عنه تركيا وقبلت بشروطه يشكل، وللأسف الشديد اعترافًا تركيًّا بالحصار المفروض على قطاع غزة". وفي يناير 2009 غادر أردوغان مؤتمر دافوس الاقتصادي غاضبًا، بعد مشادة كلامية مع الرئيس السابق لدولة الاحتلال الإسرائيلي شيمون بيريز، حيث وصف أردوغان الكيان الصهيوني بقاتل الفلسطينيين، واليوم أردوغان يقوم بوضع يده بيد قاتلي الشعب الفلسطيني بتطبيع علاقات أنقرة مع تل أبيب.