يبدو أن بريطانيا أعلنت وبشكل ضمني تبنيها السياسة الأمريكية الوحشية في فرض مبدأ القوة على الشعوب المستضعفة مقابل الهيمنة على ثروات ومقدرات الشعوب، وتجلى ذلك بعد تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة تيريزا ماي، الاثنين الماضي، بأنها مستعدة لإعطاء أمر بتوجيه ضربة نووية قد تقتل مئات آلاف الأبرياء، فالولاياتالمتحدة الدولة الوحيدة التي استخدمت القنبلة النووية ضد اليابان إبان الحرب العالمية الثانية وراح ضحيتها ما يقارب ربع مليون نسمة من الأبرياء في اليابان. الولاياتالمتحدةوبريطانيا يشتركان في عدم امتلاكهما لثقافة الاعتذار، فإذا كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما رفض الاعتذار لطوكيو على وحشية الولاياتالمتحدة النووية ضد اليابان، فإن وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، رفض الثلاثاء الماضي، الاعتذار عن "القاموس الغني" من الإهانات والانتقادات التي وجهها لزعماء أجانب على مدى السنوات الماضية. مواقف الحكومة البريطانية منذ القديم متطابقة إلى حد كبير مع حليفاتها الأمريكية، وبدا ذلك جليا في تقرير تشيلكوت الأخير، الذي أقر بعدم صوابية القرار البريطاني بغزو العراق 2003، الأمر الذي يسلط الضوء على تبعية بريطانيا العمياء لقرار واشنطن باحتلال العراق، من دون أن تكلف نفسها بجدوائية الغزو لمصالحها، فبريطانيا الدولة الأوروبية الوحيدة التي استجابت للطلب الأمريكي لغزو العراق، فوقتها جوبهت جولة وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد الأوروبية لغزو العراق بالرفض الأوروبي. وفي كثير من الأحيان نشاهد بريطانيا متعلقة بالركب الأمريكي، فمن غزو أفغانستان إلى العراق، مرورا بمقترح توجيه ضربة لسوريا، انتهاءً بالتحالف الدولي لمحاربة داعش في العراقوسوريا، وغيرها الكثير، وعادة ما يتم تسويق تبعية القرار البريطاني لأمريكا بصورة تظهر فيها بريطانيا كما لو كانت طرفا ندًا لأمريكا، لكن يبدو أن الحكومة البريطانية الجديدة قررت التخلي عن هذه الصورة، بتبنيها لسياسة الولاياتالمتحدة حتى لو كانت مخالفة تمامًا لقناعتها. وزير خارجية بريطانيا الجديد وفي أحدث نسخة من تصريحاته بصدد الرئيس السوري بشار الأسد، قال في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأمريكي جون كيري، إن الرئيس السوري بشار الأسد "يجب أن يرحل، وهذا متفق عليه بين جميع القوى الغربية"، ودعا روسيا إلى استخدام "قدرتها الفريدة" لوقف الصراع السوري، عبر إقناع الأسد بوضع حد للقتال الذي دمر البلاد على مدى خمسة أعوام. ليس غريبًا أن تتبنى الحكومة البريطانية مواقف الولاياتالمتحدة حول رحيل الأسد، لكن الغريب أن يتم تعيين وزير خارجية لبريطانيا ليقول كلاما حول الأسد يخالف قناعته السابقة، حيث صرح سابقًا بضرورة وجود الأسد على رأس السلطة في سوريا لمحاربة داعش، فجونسون، الذي استضاف احتفالاً لوضع مجسم لقوس النصر التدمري في العاصمة البريطانية عندما كان عمدة لندن، كتب في مارس الماضي مقالا صحفيا بعنوان «برافو للأسد»، أشاد به بالرئيس السوري لإنقاذه مدينة تدمر الأثرية من أيدي «داعش»، وفي ديسمبر 2015، كتب أنه يتعين على بريطانيا العمل مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس السوري، بشار الأسد، لهزيمة تنظيم "داعش". ويأتي تأكد جونسون الأخير بضرورة إحداث تغيير جوهري في سوريا من دون أن يكون للأسد أي دور في المستقبل، ليؤكد بأن الحكومة البريطانية مستمرة في عرض مسلسل تبعيتها لأمريكا، حتى لو خالف ذلك قناعاتها الداخلية بأن وجود الأسد ضرورة للقضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا كتنظيمي داعش وجبهة النصرة، الذي طال إرهابهما العديد من الدول الأوروبية، حتى بريطانيا لا تخفي تخوفها من أن يطالعا إرهابهما، حيث قال مدير جهاز الاستخبارات البريطانية "أم آي 5" أندروا باركر، في العام الماضي، إن تنظيم داعش المتطرف يخطط لهجوم يوقع عددا كبيرا من الضحايا في البلاد، مشيرا إلى أن التهديدات الإرهابية التي تواجه البلاد تعد الأخطر منذ عقود. واستبقت صحيفة "إندبندنت" البريطانية المواقف الحادة والمتناقضة لجونسون، حيث نشرت الخميس الماضي، رسالة اعتذار رسمي عن قرار رئيسة الوزراء الجديدة تيريزا ماي بتعيين جونسون وزيراً للخارجية، وجاء في الرسالة: "إلى العالم أجمع، نرجو بكل تواضع، أن تتقبلوا فائق اعتذارنا عن الحقيقة التي ستواجهونها بالتعامل مع وزير الخارجية الجديد ألكساندر بوريس جونسون". وعلى صعيد القضية الفلسطينية، لا يختلف موقف الحكومة البريطانية الجديدة عن مواقف حكوماتها السابقة ولا حتى عن مواقف الحليف الأمريكي أيضًا، حيث قال جونسون " أفتخر بأنني صهيوني ومؤمن بحق إسرائيل بالوجود". ويرى مراقبون أن التبعية البريطانية لأمريكا ستزداد وتيرتها الأيام المقبلة، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فحتى في ظل تواجد بريطانيا بالتكتل الأوروبي، كان ينظر لبريطانيا على أنها الذراع السياسي لأمريكا داخل الاتحاد، فكان لبريطانيا وضع خاص داخل الاتحاد الأوروبي لا يلزمها بقراراته، كاتفاقية "شنجن" وتبني العملة الأوروبية "اليورو"، ويقول محللون إن وضع بريطانيا مرسوما لها من قبل واشنطن، لتكون بمثابة لغم داخل الاتحاد الأوروبي لنسفه في لحظة ما عندما تجد أمريكا أن هذا الاتحاد أصبح يشكل منافسا حقيقيا لها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.