أصبحت الدراسات العليا لطلاب كليات الطب حلما بعيد المنال؛ بعدما أعلن بعض الجامعات الحكومية منذ أيام، عن زيادة مصروفاتها، سواء للماجستير أو الدكتوراة إلى 25 و30 ألف جنيه للعام الواحد، رغم أن الدستور يلزم وزارة الصحة بتحمل مصاريف الدراسات العليا للأطباء طبقا للبند 7 من المادة 14 لسنة 2014. نقابة الأطباء واجهت الأزمة بإنذار أرسلته للدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة، واللواء سيد شاهين، رئيس قطاع الشؤون المالية والإدارية بوزارة الصحة، مطالبة إياهما ب«وفقاً لما جاء بالقرار الجمهوري رقم 137 لسنة 2014 بتعديل القرار أرقام 7-11 من القانون رقم 14 لسنة 2014، واللائحة التنفيذية المعدة من قبل وزارة الصحة فى نسختها الأولى، تلتزم وزارة الصحة بتحمل المصروفات والرسوم اللازمة للحصول على أعضاء المهن الطبية على الدراسات العليا، دبلوم، ماجستير، زمالة، دكتوراة». أطباء: أزمة زيادة مصروفات الدراسات العليا يتحملها المرضى أبدى عدد من طلبة الدراسات العليا لكليات الطب استياءهم من تعنت الجامعات ضدهم، بعد زيادة مصروفات الدراسات العليا بصورة مبالغ فيها، على حد وصفهم، مؤكدين أن الزيادة تسببت في انسحاب العديد من طلبة الدراسات العليا، في ظل تعنت الدولة أيضا في التعيين بالجامعات بعد حصولهم على درجات الماجستير والدكتوراة. قال أحمد رامي، طبيب متخصص في أمراض الجهاز الهضمي، إن مصروفات الدراسات العليا زادت مؤخرا بطريقة غير منطقية, متسائلا: كيف يمكن للطبيب زيادة كفاءته العلمية حتى يقدم خدمة أفضل للمرضى ويواجه هذا التعنت غير المبرر من قبل الجامعات؟ مؤكدا أن الفترة المقبلة سوف تشهد خدمات أسوأ عن المعتاد من قبل الأطباء للمرضى، في ظل قلة الخبرة والمعرفة؛ نظرا لعزوف معظم الطلاب عن الدراسات العليا بعد زيادة المصروفات بهذه الصورة المبالغ فيها. واستنكر عمر القاضي، طبيب أمراض القلب والصدر، زيادة مصروفات الماجستير والدكتوراة إلى 20 و25 ألف جنيه سنويا، ما يعني أن أي طبيب يريد زيادة كفاءته العلمية سوف يتكلف مصروفات باهظة لتحقيق مبتغاه، متسائلا: ما الهدف من الزيادة؟ خاصة أن الطب من أكثر المهن التي تحتاج إلى الدراسة والتطوير المستمر من قبل الأطباء, مضيفا أن كل طبيب يجب ألا يكتفي بدرجة البكالريوس، ويسعى للحصول على درجات علمية أعلى حتى يصبح متكامل العلم، ويستطيع تقديم خدمة طبية وصحية أفضل للمرضى. وأشارت سمر مراد، أخصائية أمراض القلب، إلى مطالبات نقابة الأطباء الجهات المختصة بضرورة أن تلتزم وزارة الصحة بتحمل المصروفات والرسوم اللازمة للحصول على أعضاء المهن الطبية على الدراسات العليا، لكن دون جدوى، مستنكرة اكتفاء النقابة بإصدار بيانات الشجب والإدانة فقط دون اتخاذ أي إجراءات أخرى لحماية حقوق الأطباء من تعسف الجامعات الحكومية ضدهم! وأوضح مايكل جورج، أخصائي أمراض الكبد، أن الدولة دائما تطالب الأطباء بتقديم خدمة أفضل للمرضى، والعمل تحت أي ضغوطات أو صعوبات يومية يتعرضون لها، وتصل إلى حد إهانة الطبيب تارة من أفراد الشرطة وتارة أخرى من المرضى وذويهم، ومع ذلك تتعنت الجامعات في حصولهم على درجات دراسية عليا. وأضاف جورج ل«البديل» أن زيادة مصروفات الدراسات العليا بهذه الصورة الخيالية، لا يتحمل عواقبها الطبيب فقط، بل تقع أيضا علي رؤوس المرضى، متابعا: «الأمر مرتبط ببعضه؛ فعندما يحاول الطبيب تطوير نفسه والوصول إلى درجات علمية أعلى، سوف يقدم خدمات طبية أفضل للمرضى، لكن زيادة مصروفات الدراسات العليا سوف تجعل جميع الأطباء يعزفون عن الدراسات العليا، وبالتالي تقديم خدمات أسوأ للمرضى». النقابة: زيادة مصروفات الدراسات العليا «ابتزاز» للطلاب قال الدكتور أحمد شوشة، عضو مجلس نقابة الأطباء، إن قرار زيادة مصروفات الدرسات العليا لخريجي كلية الطب، يعد ابتزازا من قبل إدارة الجامعات للطلاب، ويهدد المنظومة الطبية؛ خاصة أن الأطباء بحاجة دائمًا إلى التطوير من دراساتهم وعلمهم؛ حتى يستطيعوا تقديم خدمة جيدة للمرضى. وأضاف شوشة ل«البديل» أن الدراسات العليا لا يجوز مطلقا أن تكون مرتبطة بالمادة؛ خاصة أن غالبية الأطباء لا يستطيعون دفع هذه المبالغ الطائلة، مؤكدا أن إمكانيات الطبيب تتنامي بعد حوالي 10 أعوام من تخرجه، مشددا على رفض مجلس نقابة الأطباء للقرار المجحف، بحسب وصفه؛ لأن الدراسات العليا حق أصيل للأطباء، مطالبا رؤساء الجامعات بالتراجع عنه. وأكدت الدكتورة مني مينا، وكيل نقابة الأطباء، أن قرار رفع تكاليف الدراسات العليا بهذا الشكل الخرافي، غير قانوني، ولا يجب تطبيقه بأي شكل من الأشكال، مضيفة أن وزارة الصحة لديها ما يقرب من 200 مليون جنيه في باب «تدريب الأطباء»؛ بهدف تحسين الخدمات الطبية للمرضى. وأوضحت مينا ل«البديل» أن المرضى أيضا سيدفعون ثمن الزيادة الطائلة في مصروفات الدراسات العليا لخريجي طب؛ لأن الأطباء سوف يرفعون أسعار الكشوفات وغيرها حتى يستطيعوا تحصيل رسوم الدراسات العليا، سواء الماجستير أو الدكتوراة، ما يعني أن القرار هدفه خصخصة المنظومة الصحية وجعلها للربح في المقام الأول، في حين أن الطبيب بحاجة دائمة إلى تطوير أدائه العلمي والمهني حتى يقدم أقصى خدماته للمرضى. قانوني: على «الصحة والتعليم العالي» تمكين الأطباء من الدرسات العليا وعلى الجانب القانوني، قال الدكتور أيمن عمار، المحامي بالنقض: «بالعودة إلى الدستور والقانون، تحسم الأزمة؛ فكيف ينص القانون على تكفل وزارة الصحة بمصاريف الدراسات العليا، وفي الوقت ذاته لا تستطيع الوزارة التحرك نحو الجامعات لمنع هذه المهازل التي تؤدي إلى انسحاب عدد كبير من الأطباء الذين يستعدون لإجراء الدراسات العليا، سواء ماجستير أو دكتوراة». وأكد عمار ل«البديل» أن أي طبيب عجز عن استكمال الدراسات العليا الخاصة به بسبب زيادة المصروفات، يستطيع استرداد حقه بالقانون استنادا للبند 7 من القانون رقم 14 لعام 2014 المعدل بقانون رقم 137 لسنة 2014 , الذي يلزم وزارة الصحة بتكلف مصروفات الدراسات العليا عن طريق جهات العمل، مختتما: «وبما أن ميزانية وزارة الصحة لا تسمح، فيجب أن تقدر الجامعات ذلك، ويتم التعاون بين وزارتي الصحة والتعليم العالي لتهيئة المناخ المناسب والمصروفات المعقولة التي تمكن الأطباء من تطوير أنفسهم لتقديم خدمات أفضل للمرضى».