لم تكن محاولة الانقلاب العسكري في تركيا مساء أمس الجمعة الأولى من نوعها في تاريخ البلاد منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1924، حيث شهدت تركيا العديد من الانقلابات التي غيرت ملامح السلطة أكثر من مرة من شكل إسلامي إلى علماني ، ومن علماني إلى إسلامي الأمر الذي أدى إلى اختلاف أشكال الحكم في تركيا في فترات زمنية متقاربة. وعلى الرغم من فشل الانقلاب على الرئيس التركي بعد سيطرة حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة بن علي يلدريم الذي أكد أن الوضع في البلاد تحت السيطرة إلى حد كبير، إلا أن هذه المحاولة الفاشلة أعادت للذاكرة مشهد الانقلابات المتكررة في البلد ، ويرصد البديل في هذا التقرير تاريخ الانقلابات في تركيا منذ تأسيس الجمهورية. الإنقلاب العسكري في 1960 ومنذ حوالي 56 عامًا، وتحديدًا عام 1960 في شهر مايو خاض الجيش التركي أو انقلاب عسكري في تاريخ تركيا على حكومة رئيس الوزراء عدنان مندريس، حيث دائمًا ما يضطلع الجيش التركي بمهمة القوة والسيطرة والنفوذ على الحكم بتركيا ، حيث سيطر على الحكم 38 ضابطا برئاسة الجنرال جمال جورسيل، وأحال الإنقلابيون 235 جنرالا وخمسة آلاف ضابط بينهم رئيس هيئة الأركان إلى التقاعد، وتم إعلان الأحكام العرفية، وحاصرت الدبابات مبنى البرلمان وتم وقف نشاط الحزب الديموقراطي واعتُقل رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار مع عدد من الوزراء وأرسلوا إلى السجن قبل أن يُحكم عليهم بالإعدام في محاكمة صورية، وبالفعل تم تنفيذ حكم الإعدام في مندريس. الإنقلاب على سليمان ديميريل وبعد 11 عاما من أول انقلاب استيقظت تركيا على انقلاب أخر عام 1971 عرف ب"انقلاب المذكرة"، حيث أرسل الجيش مذكرة عسكرية إلى سليمان ديميريل طالبه فيها بالتنحي، وعلى إثر قراءة بيان الجيش عبر الإذاعة فضَّل "ديميريل" الاستقالة على المقاومة، وتحولت تركيا بعدها إلى نظام ما عرف بالثاني عشر من مارس. وكان قادة الجيش يقومون بإعطاء الأوامر من خلف الكواليس، فقاموا في 19 مارس باختيار نهات إريم لقيادة الحكومة، وهو الأمر الذى قبل به عصمت إينونو، رئيس حزب الشعب، بينما رفضه بولنت أجاويد، الأمين العام للحزب، فاندلعت موجة جديدة من العمليات المسلحة قادها ما يُعرف ب"جيش التحرير التركي"، وفي 27 أبريل، أُعلنت الأحكام العرفية وتولى فريت ميلين رئاسة الوزراء في أبريل 1972، وأحدث تغييرا بسيطا، وتبعه بعد عام نعيم تالو، الذي كانت وظيفته الرئيسية قيادة البلاد للانتخابات. إنقلاب عام 1980 لم يمر 9 أعوام لتشهد تركيا مرة أخرى أنقلاب دموي بعد هزيمة حزب الشعب لصالح حزب العدالة، حيث دبر الجنرال كنعان إيفرين حينذاك انقلابا جديدا في سبتمبر عام 1980 فعلَّق الدستور وتم إعلان الأحكام العرفية وحظر جميع الأحزاب وحلّها، وإصدار دستور جديد عام 1982 الذي وسّع من سلطات رئيس الجمهورية ويعتبر هذا الدستور أكثر الدساتير في تاريخ تركيا توسيعا للنفوذ العسكري، حيث نص على إنشاء مجلس الأمن القومي التركي بعضوية عدد من المدنيين وأغلبية عسكريين. وكلف هذا الأنقلاب تركيا فاتورة باهظة جدا والأكثر دموية، حيث كانت محصلتها: 650 ألف معتقل، وأحكام بالإعدام على 517 شخصا، وإعدام 50، وفصل 30 ألفا من أعمالهم، وتجريد 14 ألف شخص من الجنسية التركية وترحيل 30 ألفا آخرين، ووفاة المئات في ظروف غامضة وتحت التعذيب وحبس عشرات الصحفيين ومنع أكثر من 900 فيلم. إنقلاب 1997 على حكومة نجم الدين أربكان في عام 97 شهدت تركيا انقلابًا ناعمًا سياسيًا سمي بالانقلاب الابيض لعدم تحرك الدبابات في بدايته ، فبعد وفاة تورغوت أوزال عام 1993 في ظروف غامضة، وصل حزب الرفاة وحليفه "الطريق القويم" إلى السلطة ليصبح الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان رئيسا للوزراء -أول رجل ذي توجه إسلامي صريح يصل إلى السلطة- وهو الأمر الذي أغضب العلمانيين ودعاهم إلى تحريك الأذرع العسكرية ضد الحكومة المنتخبة، وفي 28 فبراير 1997 اجتمع مجلس الأمن القومي وقرر أنه يجب وقف تجربة أربكان الآن وليس غدا عبر انقلاب لا تتدخل فيه الدبابات، وطلب منه التوقيع على مجموعة من الطلبات (18 طلبا) التي رأى قيادات الجيش أنها يجب أن تتم من أجل المحافظة على النظام العلماني في تركيا الذي يحاول أربكان أن يغيره. كانت هذه المطالب واضحة وصريحة إما أن تقبل بهذه القرارات وتوقع عليها وإما أن ترحل، ورغم قبول أربكان بطلبات العسكر وأغلبها قرارات تتعلق بتقييد التعليم الديني ، وتم حظر حزب الرفاة بحكم قضائي وفقا لقانون 1982 بتهمة السعي لتطبيق الشريعة وإقامة النظام الرجعي، وتم إيداع أربكان في السجن مع مجموعة من قادة حزبه منهم رجب طيب أردوغان، وحرمان بعضهم من العمل السياسي لمدة 5-10 سنوات.