رغم الخلافات القوية بين إيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية، التي بدأت تتصاعد بينهما حتى بعد الاتفاق النووي، خاصة بعد أن قررت واشنطن إلزام إيران بدفع ملياري دولار لأقارب "المارينز" واقتطاعها مباشرة من الأموال المجمدة لديها، الأمر الذي وصفته طهران ب "السرقة"، إضافة إلى قرار الكونجرس التصويت على منع بيع طائرات بوينج لطهران، إلا أن هناك جهودًا أوروبية تسعى لتلطيف الجو بين طهرانوواشنطن، حتى يتسنى لها الولوج في السوق الإيراني وتحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة. وفي هذا السياق تحاول لندن لعب دور الوسيط بين المجتمع الدولي وإيران، التي تسعى جاهدة للعودة للنظام المصرفي العالمي، إلا أن محاولاتها دائمًا ما تصطدم بالحائط الأمريكي. فالبنوك العالمية تخشى من توقيع عقوبات ضدها إذا ما عاودت التعاون مع إيران، وتريد البنوك الأوروبية التي عوقب بعضها لانتهاك العقوبات المفروضة على إيران، الحصول أولًا على تطمينات مؤكدة بأنها لن تتعرض لمشاكل إذا ما استأنفت العلاقات مع نظيرتها الإيرانية، على الرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري كان قد أبلغ البنوك الأوروبية الكبرى، في شهر مايو الماضي، أنه لا يوجد ما تخشاه من استئناف العمل مع إيران، بشرط أن تتخذ إجراءات ملائمة للتحقق بشأن الشركاء، لكن البنوك جددت التعبير عن مخاوفها، حيث قالت إنه لا توجد خطط فورية لاستئناف الأنشطة التجارية مع إيران. وكانت بريطانيا تأمل في مناقشة موضوع استكمال المعاملات المصرفية مع طهران بعد رفع العقوبات الأمريكية عنها في يناير الماضي، وذلك من خلال اجتماع كان من المقرر أن يعقد الثلاثاء الماضي بين البنك المركزي الإيراني ووزارة الخزانة الأمريكية وبنوك دولية، لكن الضغوط الأمريكية استطاعت تأجيل هذا الاجتماع، خاصة أنه سبقه موجة تصعيدية من الكونجرس الأمريكي ضد رفع العقوبات عن إيران، لتعلن بعد ذلك المتحدثة باسم الخارجية البريطانية أنه تم تأجيل الاجتماع، على أن يعقد في وقت آخر، دون أن توضح سبب التأجيل ومتى سيعقد في المستقبل. وقال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الثلاثاء إنّ الهدف إعادة دمج إيران في المجتمع الدولي والتغلب على بواعث قلق البنوك من تغريمها مجددًا. وتسعى الحكومة البريطانية لأن تكون بنوكها قادرة على دعم الشركات البريطانية العاملة في إيران، وفي نفس الوقت تقوم بالعمل على معالجة الصعوبات الباقية مع الشركاء الدوليين وإيران والبنوك ذاتها. ومن الجدير بالذكر أن أعضاء الكونجرس الأمريكي يناقشون هذا الأسبوع ثلاثة اقتراحات تحظى بتأييد الجمهوريين، وتستهدف الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما مع إيران، حيث يدور الأول حول مشروع قانون يقترح فرض عقوبات جديدة على إيران؛ بدعوى رعايتها للإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، والثاني مشروع قانون يمنع أي مشتريات من إيران من الماء الثقيل، والثالث قانون يغلق الباب أمام إيران للاستفادة من النظام المالي الأمريكي بما في ذلك استخدام الدولار. الدور الأوروبي كوسيط بين طهرانوواشنطن مهم جدًّا للطرف الأوروبي، فالعقوبات الأمريكية على إيران تلقي بظلالها على الاقتصاد الأوروبي أيضًا، فبعد إقرار الكونجرس الأمريكي لمشروع قانون يحظر بيع الطائرات بوينج الأمريكيةلإيران، أعلن مسؤولون فرنسيون في إبريل الماضي أن صفقة طائرات "الإيرباص" الأوروبية منافسة "بوينج" الأمريكية في مراحلها الأخيرة، لكنها تسعى إلى الحصول على موافقة "مكتب الأصول الأجنبية الأمريكي"، الأمر الذي يشكل عقبة رئيسية لأن بعض مكونات الطائرة مصنوع في الولاياتالمتحدة. إيرانوفرنسا والاندماج النووي على الرغم من أن العلاقات الفرنسية تدهورت مؤخرًا؛ نتيجة استقبال باريس مؤتمرًا للمعارضة الإيرانية على أراضيها، الأمر الذي استتبعه استدعاء السفير الفرنسي من قبل السلطات في إيران، إلا أن العلاقات بين البلدين لم تتأثر في جوانب الاقتصاد والعلوم المتقدمة، حيث أعلن الناطق باسم «منظمة الطاقة الذرية الإيرانية» أن إيرانوفرنسا اتفقتا على التعاون في مشروع «إيتر» النووي الذي تشارك فيه عدد من الدول. وصرح المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالفاندي، أن مسؤولين إيرانيين توصلوا إلى تفاهم عام مع الجانب الفرنسي للتعاون المشترك في المشروع. وقالت وكالة الأخبار الإيرانية "فارس" إن رئيس «منظمة الطاقة الذرية الإيرانية» علي أكبر صالحي، زار مقر مشروع «إيتر» في نهاية يونيو الماضي. و"إيتر" هو مفاعل نووي حراري تجريبي دولي يتم بناؤه في جنوبفرنسا، وأطلق المشروع في العام 1985 بالتعاون بين فرنسا وعشرات الدول؛ ليكون أول مفاعل للاندماج والانصهار لتوليد طاقة صافية، ومن بين الدول المشاركة في المشروع الصين والاتحاد الأوروبي والهند واليابان وروسيا، بالإضافة للولايات المتحدةالأمريكية. وفي سياق مختلف فإن الدول الأوروبية تحاول تحقيق مصالحها في تقاربها أو تباعدها عن إيران. ويبقى المعيار في هذا التعامل هو مدى النفعية من هذه العلاقة، فحتى الآن هناك دول أوروبية ما زالت تسعى لتقييد التحركات الإيرانية، وإذا خيّرت هذه الدول بين علاقاتها بطهران أو واشنطن، فمؤكد بأنها ستنحاز للولايات المتحدة.