ضرب ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، عرض الحائط بالأصوات الدولية والإقليمية الداعية إلى وقف مرسوم إسقاط الجنسية عن الشيخ عيسى قاسم، حيث كان يملك "بن عيسى" خيار الخروج من الأزمة الداخلية الحالية التي تعيشها المنامة، إلا أنه اختار التصعيد في وجه المعارضة البحرينية والسير على نهج حليفه السعودي الملك، سلمان بن عبد العزيز. صادق عاهل البحرين، السبت الماضي، على قرار إسقاط الجنسية عن رجل الدين البحريني، عيسى أحمد قاسم، بتهمة لعب دور رئيسي في خلق بيئة طائفية متطرفة، والقيام بتأسيس تنظيمات تابعة لمرجعية سياسية دينية خارجية، وجاء في وثيقة إسقاط الجنسية إن "ملك البحرين واستنادًا إلى قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 وتعديلاته وعلى الأخص المادتين 8 و10، وبالاستناد أيضًا إلى توصيات المجلس الوطني تقرر إسقاط الجنسية عن عيسى أحمد قاسم"ز وبحسب الوثيقة، فإن ملك البحرين استند أيضًا إلى عرض وزير الداخلية، راشد بن عبد الله آل خليفة، الذي بيّن طلب أسباب إسقاط الجنسية البحرينية، التي تم اكتسابها ولم يتم حفظ حقوقها والتسبب في الإضرار بمصالح المملكة وعدم مراعاة واجب الولاء لها، ووجه ملك البحرين تعليماته لرئيس الوزراء، خليفة بن سلمان بن حمد آل خليفة، بتنفيذ أحكام هذا المرسوم والعمل به من تاريخ صدوره ونشره في الجريدة الرسمية. توقيع ملك البحرين على مرسوم إسقاط الجنسية للشيخ البحريني، جاء بعد أيام من إعلان وزارة الداخلية البحرينية في 20 يونيو الماضي، إسقاط الجنسية البحرينية عن "قاسم"، بسبب ما أسمته "القيام بتأسيس تنظيمات تابعة لمرجعية سياسية دينية خارجية، حيث لعب دورًا رئيسًا في خلق بيئة طائفية متطرفة، وعمل على تقسيم المجتمع تبعًا للطائفة وكذلك تبعًا للتبعية لأوامره". إعلان وزارة الداخلية إسقاط الجنسية عن الشيخ عيسى قاسم، أثار غضب شديد لدى المتعاطفين مع قاسم في الشارع البحريني، خاصة بعد أن دعا ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير، للاعتصام أمام منزل قاسم، وقال في بيان "على الجميع المناصرة والمساعدة، فلا مكان للجلوس في المنازل هبّوا جميعًا لنصرة آية الله قاسم"، وهي الدعوة التي تفاعل معها المئات في الشارع البحريني وبالفعل اعتصموا أمام منزل قاسم في قرية الدراز، القريبة من العاصمة المنامة، ورفعوا شعارات منددة بالقرار وبملك البحرين وحكومته وصورًا للشيخ عيسى قاسم، ويستمر الاعتصام حتى الآن ليدخل بذلك أسبوعه الثاني على التوالي، رغم تضييق السلطات على المعتصمين بقطع الطرق وملاحقة المتوجهين مشيًا على الأقدام، الأمر الذي أدى لاعتقال العشرات، فيما أعلن عدد من علماء الدين والقيادات السياسية في البلاد إلغاء كل مظاهر الاحتفال بعيد الفطر المبارك نظرًا للأوضاع الراهنة في البلاد، الأمر الذي يعطي مؤشر لانجرار المعارضة والنظام البحريني إلى مواجهة خطيرة. وبعيدًا عن الاعتصامات والمظاهرات الداخلية، فقد استهجنت واشنطن القرار البحريني، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن بلاده قلقة من قرار البحرين سحب الجنسية من الزعيم الروحي للشيعة في البلاد، فيما حذرت إيران من إمكانية ظهور مقاومة مسلحة في البحرين عقب تجريد "قاسم" من جنسيته البحرينية، وقال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، حينها إن الإجراء الذي اتخذته البحرين ضد قاسم من الممكن أن يشعل النار في المنطقة، وأضاف أن آل خليفة يعرفون جيدًا أن تعديهم على الشيخ عيسى قاسم خط أحمر يشعل تجاوزه النار في البحرين والمنطقة بأكملها. من جانبها، أعربت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، عن قلقها الكبير من التضييق المتزايد على حريات التعبير والتجمع والجنسية، ودعت الحكومة البحرينية إلى اتخاذ خطوات بناء ثقة فورية، بينها الإفراج عن كل الذين أوقفوا لممارستهم أحد حقوقهم الإنسانية. توقع العديد من المراقبين حينها أن يستند العاهل البحريني إلى الحكمة وحسن التصرف وينتزع فتيل الأزمة التي يمكن أن تحرق البلاد، من خلال إيقاف استهداف "قاسم" وعدم التصديق على المرسوم، لكن ظنون هؤلاء المراقبين انهارت بعد توقيع الملك "حمد" على المرسوم القاضي بتثبيت حكم إسقاط الجنسية. القرار البحريني جاء ليؤكد من جديد اتساق الموقف السعودي والبحريني معًا، فلاشك أن توقيع العاهل البحريني على مرسوم إسقاط الجنسية جاء بعد التنسيق مع الجانب السعودي إن لم يكن تم بتوجيهات مباشرة من الرياض، إضافة إلى ذلك فقد تشابه موقف العاهل البحريني كثيرًا مع موقف العاهل السعودي قبل شهور، عندما وقع الأخير على مرسوم يقضي بإعدام الشيخ "نمر باقر النمر" رغم علمه المسبق بأن هذه الخطوة ستؤجج الشارع السعودي وستؤدي إلى انهيار العلاقات مع بعض الدول وعلى رأسها إيران، وحينها راهن العديد من المراقبين والسياسيين أيضًا على رجاحة عقل الملك سلمان، وتوقع بعضهم أنه سينتزع فتيل الأزمة ولن يوقع على مرسوم الإعدام تجنبًا لإثارة الفتن الداخلية والخارجية، لكن العاهل السعودي اختار حينها التصعيد والتوقيع بالموافقة على مرسوم الإعدام، والسير باتجاه المزيد من التأزيم.