"متوفر بلطجي ليرد لك حقوقك كاملة مع وجود تخفيضات هائلة بمناسبة شهر رمضان الكريم".. لم يكن هذا الإعلان مُعلقًا على ناصية أحد الشوارع الرئيسية عبر "بانر عريض" أو لافتة جانبية مثبتة فوق جدار على وشك السقوط في إحدى الحارات الضيقة داخل المناطق العشوائية في أحياء القاهرة، ولكنها كانت محتوى عامًّا للعديد من الصفحات الإلكترونية التي انتشرت خلال الأيام الماضية عبر صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك". على خطى رفاعي الدسوقي، تاجر السلاح، بطل مسلسل "الأسطورة" المعروض حاليًّا على الشاشات، والذي يقوم بدوره الفنان محمد رمضان، دشن عدد من الشباب صفحة "السراج لأعمال البلطجة واستخلاص الحقوق" عبر "السوشيال ميديا"، ووضعوا تسعيرات محددة لذلك، تحت دعاوي استرداد الحقوق الضائعة من خلال استئجار بلطجية بمقابل مادي، في ظل غياب تطبيق القوانين حسبما دوّن أدمن الصفحة، الذي أكد أنه لا يتعاون إلا مع المواطنين الشرفاء المظلومين؛ من أجل استرداد حق ضائع أو رد مظالم. لم تكن تلك هي الصفحة الوحيدة التي تتحدث عن البلطجية ومعاناتهم، وتنشر مطالبهم وهمومهم، وتتناول واقع حياتهم اليومية، بل سبقها صفحات أخرى عديدة تحت مسميات "معًا لتطبيق قانون البلطجة"، "بلطجية وعاملين ثورجية"، حتى وصل الحال بأحدهم لاقتراح إنشاء حزب خاص للبلطجية، ونقابة لهم تحمل عنوان "بلطجية لكن شرفاء". وحول ملف التعريف بالصفحة كتب أدمنها أنه نظرًا لكثرة أعداد البلطجية ومعاناتهم بعد الإصابة، فقد قررنا إنشاء حزب لهم ونقابة؛ حتى يتسنى الصرف على أنفسهم بعد العجز أو المعاش من أجل أولاده بعد وفاته، وحتى نستطيع تعيين محامين بالنقابة للصرف على قضايا السادة البلطجية". وحول تسعيرة البلطجي وأجرة يديه تواصلنا مع أدمن صفحة "السراج لأعمال البلطجة واستخلاص الحقوق"، الذي رفض الإفصاح عن هويته، وأوضح أن فكرة البلطجة وتأجير البلطجية ودفع الإتاوات تراث قديم في مصر منذ عهد الفتوات، ووثقه الأديب نجيب محفوظ في روايته "الحرافيش"، وتناولته السينما المصرية عبر أفلام، مثل "التوت والنبوت"، و"المطارد"، وتوارثته الأجيال حتى ظهر المعلم نخنوخ، صاحب أكبر شبكة بلطجة وإكراه وإتاوات في مصر، فضلًا عن انتشار العرب في أكتوبر وزايد وأبو رواش والتجمع وكافة المدن الصناعية والجديدة. وذكر الأدمن أن هذه الصفحة لا علاقة لها بالأجهزة الأمنية كما يروج البعض، ولكن مباحث الجرائم الإلكترونية تطاردهم وتتعقبهم طوال الوقت، وأغلقت لهم تلك الصفحات أكثر من مرة بدلًا من أن تتعاون معهم – بحسب تعبيره – في الوقت الذي توجد فيه مئات الأحكام القضائية التي لم يتمكن أصحابها من تنفيذها، إما بسبب تواطؤ الشرطة مع الخصم أو سطوته وكثرة أتباعه. ونشر الأدمن عبر الصفحة الإلكترونية "تسعيرة" الضرب والتهويش والشتيمة و"التجريس" والفضيحة والطرد من المنطقة وتكسير السيارة، والتي تبدأ ب 500 جنيه، وتصل إلى 2000 جنيه، وفي بعض الأحيان تتخطى ال 5000 جنيه. تزايد تلك الصفحات الاجتماعية عبر "الفيس بوك"، ونشرها منشورات تطلب من خلالها متعاونين متفرغين للعمل معهم بما يتماشى مع مواصفاتهم الخاصة، دفع بعض المتابعين للتعامل معهم بسخرية، مرددين عبارات "كلنا معاك يا عاشور يا ابن الناجي"، "إلى الأمام يا رفاعي"، وكتب أحدهم معلقًا: "زمن الفتونة راجع تاني، وهيبقي لكل منطقة فتوة، والحكومة هتريح دماغها". في الوقت ذاته تفاعل مع الصفحة التي يتزايد عدد أعضائها بصورة كبيرة أحد الأشخاص، وطلب ضرب ثلاثة أشخاص اعتدوا عليه وأن "يُعلموا عليهم" ب"علقة موت" عبر "البلطجة" مقابل 4000 جنيه للقائمين على تلك العملية. وهو ما وصفته الدكتورة هدى زكريا، أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة الزقازيق، بالانحطاط الأخلاقي العام، وأوضحت أن هذه الظاهرة تمثل ناقوس خطر وجرس إنذار للجميع، خاصة أن الأمور اليوم تسير في هذا الاتجاه، بعد أن تحولت الدولة إلى ما يشبه حرب العصابات مع الضعفاء، وتتقمص أدوار "الأسطورة" في الوقت الذي تقف فيه خيال مآته أمام الأقوياء. وكشفت زكريا في تصريحات خاصة أن مثل هذه الصفحات غالبًا ما يتم إنشاؤها بمعرفة الأجهزة الأمنية؛ وذلك لخلق ذريعة قانونية لتقييد الحريات، وهو ما ظهر جليًّا عبر انتشار صفحات الغش الإلكتروني والبلطجة والجريمة وتأجيرها عبر "الفيس بوك".