تمر علينا هذه الأيام ذكرى افتتاح واحد من أهم الجوامع التي لعبت دورًا هامًّا في الجانب الديني والعلمي والثقافي على مر التاريخ. إنه الجامع الأزهر، والذي قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي: قم في فم الدنيا وحيِّ الأزهرا وانثر على سمع الزمان الجوهرا وفي التقرير التالي نرصد تاريخ الجامع الأزهر والدور الذي لعبه على مر التاريخ في الذود عن أمته. بناؤه يعتبر الجامع الأزهر هو رابع مسجد في مصر، حيث سبقه مساجد عمرو بن العاص، والعسكر، وأحمد بن طولون. بدأ بناؤه في القاهرة عام "359 ه – 970 م" على يد جوهر الصقلي فاتح مصر، حيث شرع الأخير في بنائه ليصلي فيه الخليفة المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين في مصر، واستغرق بناء الجامع عامين، وأقيمت أول صلاة جمعة فيه في "7 رمضان 361 ه/972م". التسمية أطلق عليه عند بنائه اسم جامع القاهرة، إلا أن هذا الاسم لم يبقَ طويلًا، وتغير إلى الجامع الأزهر. وهناك روايات عدة، منها أنه سمي بالأزهر نسبة إلى فاطمة الزهراء بنت رسول الله، ورواية ثانية تقول إن المسجد كانت تحيطه قصور زاهرة، فمن هنا جاء الاسم، أو لأنه يكبر الجوامع الأخرى حجمًا، ورأي أخير رجح أن سبب التسمية هو التيمن بوضعه الذي سيكون عليه. دور الأزهر عبر العصور العصر الفاطمي في العصر الفاطمي دأب الحكام على تحويل الجامع الأزهر إلى مقر للتدريس، حيث كانت الدراسة فيه بالمجان؛ لجذب أكبر عدد من الدارسين، وقام الفاطميون بتخصيص أوقاف للصرف عليه. الأزهر والاحتلال الفرنسي لعب علماء الأزهر دورًا هامًّا خلال فترة الاحتلال الفرنسي لمصر، فعقب هزيمة قوات مراد بيك في معركة إمبابة، تصدر الأزهر المشهد، حيث اجتمع فيه المعارضون للحكم الفرنسي، وخططوا لثورتي القاهرة الأولى والثانية اللتين أعقبهما تنكيل كبير من قوات الاحتلال الفرنسي بكبار علماء الأزهر الذين تعرضوا لأقسى أنواع التعذيب والغرامات الفادحة، فضلًا عن قيام أحد طلابه، ويدعى سليمان الحلبي، بقتل القائد الفرنسي كليبر. الأزهر والاحتلال البريطاني شهدت فترة الاحتلال البريطاني لمصر بزوغ نجم عدد كبير من علماء وخريجي الأزهر لمقاومة الاحتلال الانجليزي، وعلى رأسهم أحمد عرابي قائد الثورة العرابية؛ فهو من خريجي الأزهر، بجانب الشيخ علي يوسف والشيخ محمد عبده اللذين ساهما في إيقاظ الروح الوطنية في نفوس المصريين من جديد؛ لمقاومة المحتل. وفي ثورة 1919 أشعل الأزهر الثورة، فكانت تنطلق منه المسيرات، الأمر الذي دفع المندوب السامي البريطاني إلى مطالبة شيخ الأزهر أبي الفضل الجيزاوي بإغلاقه، لكن الأخير رفض الانصياع لأوامره، وحاول اللورد كرومر سحب البساط من التعليم الأزهري؛ لتقليص قوته، بنقل بعض مميزاته إلى التعليم المدني، كما سرقت قوات الاحتلال البريطاني المنبر الأصلي للجامع الأزهر، ونقلوه إلى أحد المتاحف البريطانية. وأثناء العدوان الثلاثي على مصر اعتلى الرئيس جمال عبد الناصر منبر الأزهر؛ ليستمد منه القوة، ويؤكد للمعتدين أن مصر لن تستسلم، ولن تركع وتخضع أمام محتل غاصب للحقوق، فضلًا عن فضل علمائه خلال حرب أكتوبر 1973 وما لعبوه من دور كبير في إعادة تأهيل جنود الجيش المصري لمواجهة وصد العدوان الإسرائيلي على مصر، حيث نزل العلماء ساحات القتال وخنادق الجنود، وعلى رأسهم الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر والشيخ محمد الفحام والشيخ الشعراوي والعدوي. وحتى يومنا هذا لا يزال الأزهر الشريف كالنهر الذي لا ينضب، يمد المسلمين بجميع العلماء في مختلف التخصصات؛ ليظل يؤدي دوره الديني على أكمل وجه، ويظل حائط صد ضد أي محاولات خارجية للنيل من كرامة الإسلام والمسلمين.