أحمد الدليل- محمد الحسيني- أحمد الأنصاري- عمار عبدالواحد يمثل قصب السكر المحصول الاستراتيجي التصنيعي الثاني من حيث الأهمية بعد القمح، والذي تتركز زراعته في صعيد مصر؛ ليفتح أبواب الرزق لمئات الآلاف. ورغم كون قصب السكر أهم قلاع الصناعة النباتية؛ إذ ينتج قرابة 22 سلعة، ولكن بسبب عدم وضع سياسات وخطط زراعية وإنتاجية للارتقاء بزراعة المحصول، يواجه المزارعون مشكلات عدة، تبدأ مع عملية تسوية التربة وحتى توريد المحصول؛ وباتت الزراعة لا تغطي تكاليف الإنتاج، ما يهدد 2 مليون مزارع وعامل وسائق ومهندس. «البديل» تستعرض في هذا التقرير مشكلات زراعة قصب السكر في محافظات الصعيد، وتبعاتها، وآليات وأولويات الارتقاء بالمحصول والقائمين على استزراعه. الري.. المشكلة الأزلية بداية تمثل مشكلة الري العائق الأكبر، فالمحصول يستهلك نحو 8232 م3 من المياه للفدان، طبقًا لتقديرات معهد بحوث الزراعة الآلية، وقد يفسد ويموت إذا ما مر يومان دون ريِّه، وتوقع نائب رئيس اتحاد الفلاحين بالمنيا عماد عبيد تفاقم المشكلة بعد أزمة بناء السد الإثيوبي، مطالبًا بإدخال الماكينة الحديثة في الري، واعتماد نظام الري بالتنقيط. محافظة المنيا التي تنتج 36 ألف فدان، وتحقق فائضًا من المحصول تصدره لبقية المحافظة، تتفاقم مشكلة الري داخلها؛ نتيجة جفاف بعض الترع والمجاري المائية، وعدم تطهيرها، في حين نفى وكيل وزراة الزراعة بالمحافظة أحمد يوسف ل«البديل» هذا، مؤكدًا أن المياه متوفرة، ولا توجد أي مشكلات من خلالها. لا تسأل عن ربح يقول نائب رئيس اتحاد الفلاحين إن تكلفة الزراعة لا تحقق ربحًا يستحق بذل الجهد، موضحًا أن تكلفة إنتاجية الفدان الواحد 13 ألف جنيه؛ لكونه ينتج 40 ألف طن حال توافر المياه، في حين أن سعر توريد الطن الواحد 400 جنيه، وبالتالي يربح المزارع فقط 3 آلاف جنيه، بواقع 250 جنيه شهريًّا. وفي المقابل أوضح أن صناعة السكر والعسل تحقق أرباحًا ضخمة للمستثمرين وأصحاب الشركات والعصارات، فيما يظل الفلاح وحده يحصد المر، وفسر بأن طن القصب الخام ينتج 120 كجم سكر، بسعر 600 جنيه، في حين يورد الطن للمصنع بسعر 400 جنيه فقط. وفي بني سويف اشتكى المزارعون من ارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة ارتفاع سعر العمالة وتكاليف النقل وتنقية التربة قبل الزراعة، ونقص السماد وارتفاع سعره في السوق السوداء. وأوضح المزارع أحمد حسانين أن الأرض بعد زراعتها بالمحصول تظل طوال العام دون زراعة أي محصول آخر، مطالبًا برفع سعر التوريد؛ لتحقيق عائد ربحي مناسب، وحمل الحكومة المسؤولية في ذلك، مشددًا على أن دورها لا يجب أن يقتصر على عمل محاضر عند حرق مخلفات قصب السكر. غياب الرؤية والبرنامج أكدمحسن صلاح عبد اللطيف، رئيس جمعية الشرق للتنيمة الزراعية ببني سويف، عدم وجود برنامج زراعي محدد أو توجيه للمزارعين من إدارات الإرشاد الزراعي نحو الأصناف التي تتناسب مع التربة، وكذا عدم وجود برنامج مكافحة متكاملة ضد سوسة القصب. وأضاف أن عقود توريد القصب هي عقود تكاملية من الستينيات، لا تتوافق مع العصر، بجانب عدم التزام شركات تصنيع السكر بصرف مستحقات المزارعين. ولفت إلى عدم توفير الآلات أو المعدات الخاصة لتجهيز الأرض للزراعة، ما يدفع المزارع لتحمل تكاليف باهظة. القروض صداع في رأس المزارع وقال المزارعون إن القروض باتت صداعًا كبيرًا فى رءوسهم، فالفوائد تتراكم عليهم بشكل مبالغ فيه. وفي سوهاج اشتكى المزارعون، ومنهم علي مخيمر من مزارعي مركز جرجا من عدم تغطية خط السكة الحديد المخصص لنقل المحصول إلى مصنع السكر لجميع المساحات المنزرعة، وتعطل القطار دائمًا، وقيام المصنع بخصم جزء من القيمة المالية بحجج الشوائب الموجودة بالمحصول، والحصول على الإذن الكتابي من المصنع للبدء في عملية الكسر. مستحقات المزارعين بالقطارة ويضيف علي إبراهيم، مزارع بمركز البلينا، أن المشكلة الأكبر في تتمثل في عدم صرف المصنع مستحقات المزارع دفعة واحدة، واشتكى إبراهيم محمد من تدني سعر توريد طن القصب، موضحًا أن سعر الطن 360 جنيهًا، وينتج الفدان في المتوسط 40 طنًّا تقريبًا؛ ليحقق دخلًا قدره 14 ألف و400 جنيه. وبحسب وكيل زراعة سوهاج المهندس مراد حسين، تزرع المحافظة حوالي 17 ألف فدان، بينما يحتاج مصنع السكر بجرجا 50 ألف فدان، وطالب وكيل الوزارة المزارعين بالالتزام بمواعيد كسر المحصول؛ حتى لا يكون هناك فاقد في الوزن، وضرورة إدخال محصول البنجر إلى المصنع؛ للمساعدة في إنتاج السكر، مشيرًا إلى أن البنجر يستمر في الأرض 4 شهور فقط، بخلاف القصب الذي يستمر في الأرض حوالي 5 سنوات وينهك التربة. العصارات أفضل من المصانع قال علي يوسف، من مركز العسيرات، إن بيع محصول القصب لأصحاب العصرات المنتشرين في مراكز المحافظة المختلفة أفضل من توريده لمصنع السكر بكثير؛ لمضاعفة سعره مرتين وثلاثًا عن المصنع. الجماعات المتطرفة قتلت السكر أما محافظة أسيوط، والتي كانت واحدة من أكبر محافظات الصعيد في زراعة قصب السكر، فقد اختفت الزراعة منذ التسعينيات بعد ظهور الجماعات المتطرفة التى كانت تتخذ مزارع القصب معقلًا لها. الأسمدة في السوق السوداء وأرجع محمد خيرت، أحد المستثمرين الزراعيين بأسيوط، تدهور زراعة المحصول لارتفاع أسعار السماد الزراعي، والذي وصل إلى 180 جنيهًا للشيكارة الواحدة، مع اختفائها لارتفاع أسعارها بالسوق السوداء، إلى جانب عدم وجود مياه كافية للري، فى ظل وجود أزمة المياه بالأراضى الزراعية، مع ارتفاع تكلفة العمالة اليومية للفلاحين. توصيات حلول وطالب رئيس اتحاد الفلاحين بالمنيا وزارة الزراعة باستنباط أصناف جديدة لزيادة الإنتاجية، والقيام بدورها في مكافحة الآفات، ومواجهة مافيا الاستيراد، وأن تتحمل مصانع وشركات السكر تكلفة نقل المحصول، وفقًا لما ينص عليه العقد المبرم بين الطرفين، غير أن المزارع يتحمل معظم تكاليف النقل، وأيضًا رفع قيمة منحة الري المقررة منذ سنوات، والمقدرة ب 20 جنيهًا، لارتفاع مستلزمات الإنتاج. وأوصى رئيس جمعية الصناعات السكرية بالمنيا أحمد عبد المنعم بوقف استيراد السكر من الخارج، توفيرًا للعمالة، وفتح آفاق محلية للتسويق والتصدير، موضحًا أن مصر تستورد قرابة نصف مليون طن. يذكر أن المساحة الكلية المنزرعة بالمحصول تبلغ 275 ألف فدان، وتنتج مليون و800 ألف طن سكر، يُورد منه لشركة السكر والصناعات التكميلية 235 ألف طن، من خلال 8 مصانع منتشرة بالصعيد، وهي (أبوقرقاص بالمنيا- الحوامدية بالجيزة- ونجع حماد بقنا- وجرجا بسوهاج- وقوص بالأقصر- وكوم أمبو وإدفو وأرمنت بأسوان)، والعمالة الإجمالية هي 22 ألف عامل و250 ألف مزارع. ويدخل قصب السكر في 22 صناعة، أبرزها السكر والعسل الأسود والأعلاف والخشب الحبيبي ولب الورق والشمع والأسمدة الزراعية والأوراق والكحول والفازلين والمولاس الذي يدخل في صناعة العطور.