تصاعدت خلال الآونة الأخيرة حدة الاشتباكات بين الجيش السوري من جهةوالتنظيمات الإرهابية المقاتلة في ريف حلب الجنوبي، والتي تعد جبهة النصرة وأحرار الشام أبرزها من جهة أخرى، وذلك بعد انهيار الهدنة التي توصلت لها روسيا وأمريكا وبدأ سريانها في 5 مايو الماضي في مدينة حلب ومحيطها، حيث تعرضت مناطق في أحياء مساكن هنانو والصالحين وطريق الباب ودوار الجندول في مدينة حلب إلى قصف عنيف من المسلحين الذين استهدفوا أيضًا مناطق في حي الميدان وحي الفرقان في حلب، وتسببت هذه الاشتباكات في مقتل أكثر من 70 مقاتلًا من الجانبين منذ الثلاثاء الماضي، لكن الجيش السوري تمكن من استعادة السيطرة على قريتي خلصة وزيتان في ريف حلب الجنوبي، بعد عدة ساعات من انسحابه منها. الأحداث الساخنة التي مرت بها حلب خلال الفترة الأخيرة دفعت القوى الدولية إلى التحرك باتجاه تهدئة الأوضاع بعض الشيء، واستنادًا إلى ذلك أطلقت روسيا مبادرة جديدة تهدف إلى تهدئة الأوضاع على الجبهة الجنوبية في حلب، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس الأربعاء، عن هدنة مدتها 48 ساعة في حلب، بدءًا من اليوم الخميس، وقالت وزارة الدفاع الروسية إن وقف إطلاق النار سيبدأ من منتصف ليل الخميس، ويهدف إلى الحد من العنف وتحقيق الاستقرار. وأشار بيان الوزراة إلى أن وقف إطلاق النار يأتي بمبادرة من موسكو. في ذات الإطار ذكرت الوزارة أنه في الآونة الأخيرة دارت معارك شرسة في محافظة حلب، موضحة أن مسلحي تنظيمي جبهة النصرة وأحرار الشام هاجموا مواقع الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني في حي الشيخ مقصود، حيث الغالبية الكردية، فيما أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن موسكو تدعو لدعم نظام التهدئة في حلب، وأن روسيا اتفقت على هذا مع الولاياتالمتحدة على أعلى المستويات. وأضاف بوغدانوف: لقد اتفقنا على أعلى المستويات مع الأمريكيين، كان الإعلان مشتركًا، وعلى أساس هذه البيانات، تم اتخاذ القرار من قبل المجتمع الدولي. من جانبها أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جوليا ماسون، أن الأطراف السورية وافقت على الالتزام مجددًا بوقف الأعمال القتالية في حلب، ضمن وقف للقتال في أنحاء البلاد. وقالت المتحدثة إن وقف القتال غير محدد بمكان أو فترة زمنية، مشيرة إلى أن الخارجية الأمريكية تراقب عن كثب لبحث كيفية المساعدة في وقف العنف وفتح المجال أمام وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين هم في حاجة ماسة إليها. الإعلان عن مبادرة التهدئة الروسية جاء بعد يوم واحد من التحذيرات التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، في مواجهة روسيا، قائلًا إن صبر واشنطن محدود جدًّا، خصوصًا بشأن محاسبة الرئيس السوري، بشار الأسد. وقال "كيري" خلال زيارة للنرويج إثر لقائه نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، إنه على روسيا أن تفهم أن صبرنا ليس بلا حدود، وفي الواقع هو محدود جدًّا فيما يتعلق بمعرفة ما إذا كانت ستتم محاسبة الأسد أم لا، وأضاف وزير الخارجية الأمريكي أن الأسد وروسيا يطبقان اتفاق وقف الأعمال القتالية بسوريا بشكل انتقائي، وأن الحكومة السورية تحاول استعادة السيطرة على حلب، مؤكدًا أن الولاياتالمتحدة مستعدة لمحاسبة المجموعات المسلحة من عناصر المعارضة، الذين يشتبه في ارتكابهم انتهاكات، أو الذين يواصلون المعارك في انتهاك لوقف إطلاق النار. التهديدات الأمريكية التي خرجت على لسان وزير خارجيتها، جون كيري، سريعًا ما حاولت وزارة الخارجية تعديلها قبل أن يشتعل الموقف من جديد بين اللدودين، حيث خرجت وزارة الخارجية الأمريكية بعد ساعات من تصريحات "كيري" في محاولة لتوضيح موقفه وتبرير تهديداته، وقالت الخارجية إن "كيري" لم يقصد تهديد روسيا عندما قال إن صبر الولاياتالمتحدة محدود، وأكد الناطق باسم الوزارة، جون كيربي، أن ذلك لم يكن تهديدًا على الإطلاق، لكنه مجرد إعراب عن الاستياء من عدم استخدام الروس نفوذهم، كما فعلوا في الماضي، لتحقيق المفعول اللازم. تأتي هذه التطورات الجديدة بعد أيام قليلة من الاجتماع الذي جمع وزراء دفاع روسيا وإيران وسوريا في طهران، فعلى ما يبدو فإن وزراء دفاع الدول الثلاثة اتفقوا على تهدئة الأوضاع في حلب لترتيب الأوراق من جديد، حيث قال مراقبون إن الاجتماع الثلاثي الذي ضم وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، ووزير الدفاع الإيراني، حسين دهقان، ووزير الدفاع السوري، فهد جاسم الفريج، قد تطرق إلى وضع الخطوط العريضة لكيفية التعامل مع المشهد السوري على ضوء المعطيات الميدانية الجديدة، وكيفية الحفاظ على التقدم الميداني الذي حققه الجيش السوري بمساعدة القوات الروسية والإيرانية في عدد من الجبهات وبخاصة محافظة حلب الاستراتيجية.