في خطوة تؤكد اقتراب التهديد الأمني كثيرًا من الحدود الأردنية، وتشير إلى وجود خلايا نائمة قوية لتنظيم داعش في العمق الأردني، وقع هجوم إرهابي عنيف يعد الثاني من نوعه في أقل من ستة أشهر، بعد سابقه الذي استهدف مدينة اربد في الشمال في فبراير الماضي، واستهدف الهجوم الثاني عناصر من جهاز المخابرات الأردنية في مخيم البقعة الواقع شمال العاصمة عمان. أعلن وزير الإعلام الأردني، محمد المومني، تعرض عناصر المخابرات الأردنية إلى هجوم إرهابي على مكتب تابع لدائرتهم في مخيم المبقعة شمال عمان، أمس الاثنين، أسفر عن مقتل خمسة من مختلف رتب عناصر المخابرات، هم الخفير وعامل المقسم وثلاثة ضباط صف من حرس المكتب، مضيفا أن الهجوم المسلح جرى تنفيذه قبيل الساعة السابعة من صباح أمس الاثنين، موضحًا أن الإرهابيين استهدفوا المقر الأمني صبيحة أول يوم من أيام شهر رمضان، في دليل واضح على السلوك الإجرامي لهذه العناصر وخروجها عن ديننا الحنيف، حيث أراقوا دماء زكية نذر أصحابها أنفسهم لحماية الوطن والمواطن والمنجزات. وقالت بعض المصادر الأمنية إن الهجوم على مكتب المخابرات نفذه شخص واحد باستخدام سلاح أتوماتيكي، مؤكده أن الهجوم مسلح وليس تفجيرًا، في حين تمكنت كاميرات المراقبة المثبتة على مبنى المخابرات من التقاط صور لمركبة منفذي الهجوم، ووفقًا لأحد الشهود الذي كان برفقة أحد المصابين في مستشفى "الأمير حسين" المجاور لمبنى المخابرات، فقد شاهد سيارة تغادر المكان بعد الحادثة وأنها كانت تسير لوحدها في الشارع. عقب الهجوم، أقدمت السلطات الأمنية الأردنية على فرض طوق أمني مشدد على المداخل المؤدية لمقر المخابرات العامة بالبقعة، في حين راجعت السلطات كاميرات الشوارع للبحث عن خيط يوصل للمجموعة التي نفذت الهجوم، وبعد ساعات من الهجوم، أعلنت الحكومة الأردنية أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على المشتبه به في تنفيذ الهجوم الإرهابي في البقعة شمال عمان، ومختبئ في أحد المساجد بمنطقة سليحي في السلط شمال غرب عمان، ويدعى "محمود مشارقة"، وقال مواطنون من قبيلة العدوان المحيطة في البقعة، إن الشاب من مواليد 1994، ومسجل له قيد أمني وسبق أن خضع للتحقيق من قبل جهاز المخابرات بتهمة الدعوة للجهاد والتخابر مع تنظيم داعش. وأوضح مصدر أمني أن الأجهزة الأمنية تمكنت من اعتقال المشتبه به خلال مداهمة أمنية نفذتها بعد تحديد هوية مرتكب الاعتداء، الذي قاوم رجال الأمن قبل اعتقاله، وأطلق النار صوبهم ما أدى إلى إصابة متوسطة لأحدهم، مشيرا إلى أن المشتبه به سيمثل أمام مدعي عام أمن الدولة، خاصة أن طبيعة الجريمة التي ارتكبها تشكل عملًا إرهابيًا أدى إلى مقتل أكثر من شخص. مخيم البقعة يع أحد أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في الأردن، يقع على حدود الشمالية الغربيةلعمان، وبالتحديد على طريق عمان – إربد بالقرب من منطقة صويلح، وأقيم على أخصب منطقة زراعية في الأردن، التي كانت تنتج ما يعادل ربع سلة الغذاء الأردني آنذاك، ويبلغ عدد سكان الحوض نحو 220 ألف نسمة، ويتبع المخيم إداريًا لبلدية عين الباشا التابعة لمحافظة البلقاء، إلا أن المخيم حاليًا يعتبر واحدًا من أكثر المناطق المهمشة في العاصمة الأردنية، إضافة إلى أنه يُعد واحدًا من معاقل التشدد والتطرف الديني في البلاد. العملية الإرهابية التي وقعت في البقعة لم تكن الأولى التي تستهدف القوات الأمنية الأردنية بمختلف فروعها، فتعرض مخيم البقعة في عام 2009 لهجوم مسلح فاشل تبناه حينها تنظيم القاعدة انتقامًا لمقتل زعيمها أبي مصعب الزرقاوي، نفذه ثلاثة أفراد من أتباع التيار السلفي الجهادي، لكن قبض على اثنين وحوكما بالأشغال الشاقة المؤقتة، والثالث فر إلى سوريا، حيث نفذ تفجيرًا انتحاريًا في أكتوبر عام 2012 أودى بحياته، وفي عام 2015 وقع اعتداء مسلح داخل مركز تدريب أمني في منطقة الموقر، وراح ضحيته خمسة مدربين عسكريين منهم ضابطان أردنيان وآخران أمريكيان وجنوب إفريقي إضافة إلى منفذ العملية نفسه. جددت عملية البقعة المخاوف الأمنية لدى السلطات الأردنية من أن تنتقل العمليات العسكرية الجارية في سورياوالعراق إلى بلده، فيرى مراقبون أنه مع التقدمات والنجاحات التي يحرزها الجيش السوري والعراقي في كلا البلدين، واقتراب الجيش السوري من الرقة، والعراقي من الموصل، وما ينتج عن هذه العمليات من تضييق الخناق على مسلحى التنظيمات الإرهابية، فإن هذه التنظيمات ستبحث بالضرورة عن منفذ جديد تستطيع من خلاله تعويض خسارتها وإحداث بلبله قد تجعلها تستعيد توازنها من جديد، الأمر الذي يجعل الأردن أحد أقوى الدول المرشحة لنقل مسرح العمليات الإرهابية فيها، خاصة أنها تملك حدودًا طويلة مع سورياوالعراق والسعودية، فحدود الأردن مع سوريا تزيد عن 375 كليومترًا، ومع العراق 181 كليومترًا، أما حدوده الأطول مع المملكة السعودية المضطربة أيضًا في الوقت الحالي فحوالي 782 كيلومترًا. استبق بعض المراقبين والخبراء الأمنيين التحقيقات الرسمية في الكشف عن هوية المهاجمين؛ فانطلقت التحليلات والتوقعات في سبيل معرفة هوية الجناة، حيث ذهب بعض المراقبين إلى القول إن منفذي عملية البقعة هم مطاردي عملية إربد الأمنية، وهي العملية التي أقدمت عليها دائرة المخابرات الأردنية العامة في مارس الماضي في مدينة إربد، إثر اكتشافها لخلية تابعة لتنظيم داعش فقامت باقتحام المكان التي تختبئ فيه، الأمر الذي أسفر عن استشهاد رائد وإصابة خمسة آخرين من كواد الأجهزة الأمنية بجروح بسيطة ومتوسطة، في حين قتل 7 من عناصر الخلية ولاذ 6 أخرون بالفرار. هذا السيناريو رجحه العديد من الخبراء الأمنيين، على اعتبار أن تنظيم داعش لديه ثأر كبير من الأردن خاصة أنها لعب الدور الأبرز في اغتيال مؤسس التنظيم، أبو مصعب الزرقاوي، وكذلك مشاركة الأردن في التحالف الدولي الستيني الذي تقوده أمريكا وتشكل لاجتثاث التنظيم من سورياوالعراق، وأخذت داعش بعضًا من هذا الثأر عندما أسقطت طائرة الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، أثناء مشاركته في قصف مواقع التنظيم في العراق قبل عامين، وأحرقته حيًا. من ناحية أخرى، أبدى بعض المراقبين تخوفهم من أن تشن الأجهزة الأمنية حملات اعتقالية ومداهمات واسعه بحثًا عن المشتبه بهم والفارين من عملية إربد، لكنها قد تطال أيضًا مواطنين لا شأن لهم في الهجوم، خاصة أن منطقة البقعة تحتوي على عناصر من التيار السلفي الجهادي، فيما أبدى الخبير الاستراتيجي، عامر سبايلة، مخاوفه من أن يواجه مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين مصيرًا مشابهًا لمخيم اليرموك في دمشق أو مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، مضيفا أن الأحداث الحالية تتطابق مع دراسة أجراها قبل 4 أعوام، حول تداعيات الأزمة السورية على الأردن، وأن المخيمات الفلسطينية ستكون الخاصرة الأمنية الضعيفة في البلاد وسينشئ ذلك فتنة داخلية أردنية فلسطينية.