في الوقت الذي يستقبل فيه المسلمون حول العالم شهر رمضان الكريم بالفرح والسعادة، يسقبله الآلاف في الوطن العربي بالمعاناة المريرة والأزمات القاتلة، ولا أحد يشعر بهم. «البديل» رصدت معاناة المسلمين بالوطن العربي في رمضان؛ جراء الحروب والنزاعات المستمرة، في ظل مفاوضات هشة تحركها الدول الكبرى لم تسفر عن أي جديد. سوريا إحدى أكبر المآسي التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط الحرب الدائرة حاليًّا بين الجماعات المسلحة والجيش السوري، والتي تزيد معاناة الشعب السوري من مرارة الحرب والتدمير للعام السادس. وكشفت الأممالمتحدة أن مئات الالاف من السوريين يعانون من قلة المواد الغذائية في المناطق التي تشهد حربًا والملاجئ المليئة باللاجئين السوريين في الدول المجاورة. وبالرجوع للخلف قليلًا سنرى أن الشعب السوري بدأ في المعاناة تدريجيًّا، عندما انتشر السلاح في سوريا، وتوسعت دائرة العنف والقتال في جميع المناطق السورية تقريبًا؛ لتبدأ مجموعات مسلحة عديدة في الاقتتال فيما بينها، أبرزها تنظيم داعش وجبهة النصرة وجيش الإسلام وأحرار الشام. وفي ظل هذه الحرب الشعواء عانى الشعب من مجازر عديدة وعمليات تعذيب أدت إلى مقتل مئات الآلاف وفرار الملايين من سوريا باتجاه دول الجوار؛ ليتشتت الشعب السوري بصورة غير مسبوقة. العراق رغم أن المسلمين بالعراق يعانون منذ حرب الخليج الأولى في تسعينيات القرن الماضي والغزو الأمريكي في بداية الألفية؛ جراء الحصار والحروب المتتالية، إلا أن رمضان هذا العام هو الأصعب؛ نظرًا لتفاقم الأزمات الداخلية بالعراق. وأدى انتشار السلاح وعمليات العنف والتفجيرات في اعقاب انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011 إلى تدهور الأوضاع الأمنية بشكل غير مسبوق، الأمر الذي أدى إلى عدم قدرة قوات الأمن العراقية على السيطرة على الأوضاع الداخلية. ووسط الوضع الأمني المتدهور وظهور تنظيم داعش الإرهابي بدأ الشعب العراقي يعاني من عمليات تهجير وفرار جماعي وقتل وتعذيب، تسببت في مقتل الآلاف وتشريد وفرار مئات من العائلات بالمدن المليئة بالسكان من المسلمين. كما أدى الوضع الأمني المتدهور إلى تقييد المسلمين في العراق من القيام بشعائرهم المعتادة في الشهر الكريم، حيث تستهدف المزارات الدينية بشكل دوري بعمليات انتحارية في أي وقت، كما أدى الوضع الاقتصادي المترهل في الفترة الأخيرة؛ جراء الاختلافات السياسية، إلى شح المواد الغذائية في الأسواق العراقية وارتفاع أسعارها، خاصة مع ارتفاع الدولار ووجود الإيجارات ذات الأسعار المرتفعة التي لا تتناسب مع رواتب "التقشف" التي انتهجتها الحكومة المركزية في تقليص مستوى المعيشة، مع عدم إيجاد سيولة نقدية تتماشى مع احتياجات المواطنين. غزة والضفة الوضع أكثر سوءًا في ظل الحصار الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ أكثر من عشرة أعوام، يستقبل أهل غزة شهر رمضان المبارك في ظل أوضاع مأساوية، فالأسواق تبدو مشلولة لقلة روادها؛ بسبب ارتفاع نسبة الفقر، وعزوف الكثير عن الشراء واكتفائهم بشراء الاحتياجات الأساسية لهذا الشهر الفضيل. ومنذ انسحاب الكيان الصهيوني من قطاع غزة وسيطرة حماس عليه، ويتبع الكيان سياسة الحصار وتشديد الخناق، عبر محاصرته من جميع الاتجاهات وعدم السماح بدخول بعض المنتجات له، حيث يتحكم في المواد الداخلة والخارجة من القطاع. الجدير بالذكر أن الكيان الصهيوني شن ثلاث حروب كبيرة على قطاع غزة أعوام 2008 و2012 و2014م، تسببت في مقتل المئات وتشريد الآلاف من المسلمين والعرب، واتهم الكثير من المنظمات الحقوقية الكيان بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينين. في الضفة لم يبتعد المشهد كثيرًا عن هذه المأساة، حيث يعاني الشعب الفلسطيني ذو الغالبية المسلمة في الضفة الغربية العديد من أشكال الظلم والعدوان من الكيان الصهيوني في هذا الشهر، أبرزها فرض الاحتلال قيودًا كبيرة على دخول الفلسطينيين لمدينة القدس والمسجد الأقصى، والاعتداء على أي مسيرات أو مظاهرات معارضة لسياساته، وإقامة جدار عازل تسبب في تشتيت عدد من الأسر التي على جانبيه. وفي رمضان لم تقل حملات الاعتقال للعديد من الفلسطينيين داخل الضفة، ورغم النداءات المتكررة التي صدرت عن مؤسسات إنسانية وحقوقية لوقف انتهاكات الاحتلال خلال شهر رمضان المبارك، إلا أن الاحتلال لا يزال يواصل إجراءاته التعسفية وانتهاكاته لحقوق الأسرى. ويزيد الاحتلال من عمليات الاقتحام والتفتيش والاستنفار الدائمة بحق الأسرى تحت حجج وذرائع واهية، والتي تستمر أحيانًا منذ الصباح وحتى موعد الإفطار، فيحتاج الأسرى ليوم آخر لترتيب أغراضهم التي أتلفها الاحتلال. وأفادت الهئية الحقوقية الرسمية أمس الأحد أن أكثر من 7 آلاف أسير فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال، "يواجهون مخططات مبنية على الحقد والانتقام واللا إنسانية والغطرسة الإسرائيلية"، مشيرة إلى أنه "لا يوجد أي خصوصية أو تسهيلات من إدارة السجون في التعامل مع الأسرى خلال الشهر الفضيل". وأكدت الهيئة في بيانها أن الاحتلال يتعمد "فرض صعوبات وعقوبات على الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، والعمل بإصدار التعليمات بهدف حرمانهم من ممارسة الشعائر الدينية"، مؤكدة أن الأسرى يصفون معاناتهم مع الأسر في شهر رمضان ب "القاسية والمريرة". اليمن لم يتحسن الوضع في اليمن خلال الشهر الكريم، حيث لا يزال الكثير من سكانها يكافحون من أجل الحصول على لقمة العيش وإعالة عائلاتهم، إذ باتت في هذه الفترة ظروف العمل صعبة، خاصة مع تدهور الوضع الأمني في كل أنحاء البلاد، وفي ظل هذه الظروف غاب دور المنظمات الدولية والمحلية التي تزعم أنها تعمل في المجال الإنساني باليمن. وفي الشهر الكريم يظل الحصول على المياه النظيفة والمأكل والملبس أمرًا صعبًا في كثير من المناطق باليمن، بسبب الحرب وأعمال العنف التي أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي منذ قرابة العام، حيث تقول منظمات حقوقية دولية إن هناك ظروفًا معيشية عصيبة في اليمن، وإن 14,4 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي؛ بسبب الحرب الدائرة في البلاد.