انطلقت المفاوضات الصينيةالأمريكية، بشأن مسائل الأمن والاقتصاد، اليوم ببكين، في أجواء يغلفها عدم الشعور بالثقة ويتبعها سلسلة من عدم التفاهمات، في ظل النظرة الأمريكية للصين كوريث موضوعي ومنطقي لإمبراطورتيها. لم تنجح الولاياتالمتحدة خلال القرن العشرين في ترويض التنين الصيني، ولم تكن السياسة الأمريكية قادرة على فرض منطقها ومصالحها في التعامل معها، لكن هذه العلاقات أصبحت تعني الآن الكثير نظرا لحجم التحديات التي تواجه الطرفين بل العالم أجمع مثل التوازن بين القوى العظمى ودعم النمو الاقتصادي العالمي وزيادة انتشار الأسلحة النووية ومجابهة الإرهاب. وبالنسبة لواشنطن، فإن القلق يتضاعف بسبب الأثر الذي يتركه تنامي دور الصين في العالم على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية، في ظل التقارب الكبير بين بكين وموسكو، ومع ذلك فإن العلاقات بين البلدين أعقد وأكبر من مجرد تنافس بين قوتين. الحوار الاستراتيجي والاقتصادي الصيني – الأمريكي بدأت الصينوالولاياتالمتحدة حوارهما الاستراتيجي والاقتصادي السنوي اليوم الاثنين، في بكين بإشراف الرئيس الصيني شي جينبينغ، ويعقد الحوار الثامن من نوعه هذا العام وسط توتر شديد بسبب الخلافات حول بحر الصين. وتضم لائحة الحوار بين نائب رئيس الوزراء الصيني، وانغ يانغ، ومستشار الدولة، يانغ جيشي، المكلف بالسياسة الخارجية من جهة، ووزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، قائمة طويلة بينها بالخصوص الوضع في بحر الصين الجنوبي وكوريا الشمالية وتايوان والتغير المناخي والأمن الإلكتروني والإرهاب وقيمة اليوان والمبادلات التجارية والتعاون الاقتصادي. ويرى الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أن هذه اللقاءات السنوية يجب أن تساعد في توصل الدولتين العظميين إلى أرضية مشتركة في المسائل الاستراتيجية والاقتصادية، بينما كان الرئيس الصيني أكثر حدة ودقة في كلمة افتتاح الاجتماعات التي تستمر ليومين: «على الولاياتالمتحدةوالصين أن تعززا الثقة بينهما»، وحدد على الفور إطار المفاوضات، معتبرا أن منطقة المحيط الهادئ الواسعة يجب أن تكون مسرح تعاون وليس منطقة تنافس. مشاورات رفيعة المستوى حول التبادلات الشعبية كما تنطلق الجولة السابعة من المشاورات رفيعة المستوى حول التبادلات الشعبية بين الصينوالولاياتالمتحدة اليوم أيضًا في بكين، ومن المقرر أن تشرف نائبة رئيس مجلس الدولة، ليو يان دونغ، وكيري، على الجولة السابعة من المشاورات رفيعة المستوى حول التبادلات الشعبية. وتتصدر أجندة النقاش قضايا دفع بناء آليات التعاون في المجالات المختلفة وتسهيل التبادلات الثقافية والإبداع في نمط التعاون البراغماتي وإطلاق أعمال التعاون الصحي والطبي في دولة ثالثة، وفقا لما أعلن نائب وزير التعليم الصيني، هاو بينغ، متوقعا أن يتم التوصل خلال النقاش إلى 12 اتفاقية للتعاون وتحقيق 135 نتيجة وتنظيم 17 نشاطا متعددا. بحر الصين الجنوبي واللهجة العسكرية تجري المناقشات الأمريكيةالصينية هذه المرة على خلفية الجدل الحاد حول النزاع في بحر الصين الجنوبي، حيث ندد وزير الخارجية الأمريكي بما وصفه «استفزازات» الصين الأخيرة من خلال «عسكرتها» منطقة بحر الصين الجنوبي، لكن بكين رفضت الضغوط الأمريكية وأعادت أمس تأكيد سيادتها على معظم المنطقة المتنازع عليها بالقول «نحن لا نختلق المشكلات، لكننا لا نخشاها». كان وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، حذر من أن الولاياتالمتحدة لن تتسامح مع إنشاء الصين قواعد على الجزر المتنازع عليها، وأنها سوف «تتخذ الإجراءات اللازمة» بهذا الشأن، من دون أن يوضح جوهرها، الأمر الذي دفع الأميرال الصيني، سون جيانغ، للرد عليه بالقول «هذا لا يرهبنا»، ونقلت صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست» عن مصدر عسكري صيني، أن بكين قد تعلن «منطقة جوية للدفاع والتعريف»، وتوترت العلاقات بين واشنطنوبكين أيضا في 2013، بعدما أقامت الصين بقرار أحادي منطقة جوية للتعريف فوق جزء كبير من بحر الصين الشرقي بين كوريا الجنوبية وتايوان. وتتبادل الدولتان الاتهامات بعسكرة النزاع على الممر، فبكين تطالب بالسيادة على معظم بحر الصين الجنوبي، فيما تزعم بروناي وفيتنام والفيليبين وماليزيا السيادة على أجزاء منه، وتقوم الصين بأعمال ردم كبيرة في البحر فضلا عن بناء مواقع مثيرة للنزاع، في الوقت الذي تزيد الولاياتالمتحدة مناوراتها ودورياتها هناك. ويفسر تصعيد التوتر حول هذا الموضوع باقتراب قرار قضائي موضع ترقب شديد من محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي التي لجأت إليها الفيليبين للاحتجاج ضد الصين، في المقابل تنكر بكين شرعية إجراءات المحكمة الدائمة التي يفترض أن تصدر قرارها في الأسابيع المقبلة. فائض الطاقة والجدل الأمريكي حوله قال وزير الخزانة الأمريكي، جاك لو، أمس، إن الطاقة الصناعية الفائضة للصين ستؤدي إلى «تآكل» النمو الاقتصادي والكفاءة مستقبلا ما لم يتم تقليصها، مضيفا أنها تتسبب أيضا في تشوهات بالأسواق العالمية، ويأمل في إحراز تقدم في مسألة الطاقة الزائدة خلال مؤتمر الحوار الاستراتيجي، ومتابعا أن المناقشات السابقة خففت التوترات المتعلقة بالعملة بين أكبر اقتصادين في العالم. أزمة الطاقة الفائضة أعطها وزير الخزانة الأمريكية بعدًا عالميًا بعد أن أخرجها من نطاقها المحلي، حيث قال بجامعة تسينغهوا الصينية "الطاقة الفائضة ليست مجرد قضية محلية في الصين، لمسألة الطاقة الفائضة تأثير هائل على الأسواق العالمية لمواد مثل الصلب والألومنيوم ونحن نلحظ تشوهات في الأسواق العالمية بسبب الطاقة الفائضة". وكانت واشنطن رفعت رسوم الاستيراد المفروضة على الشركات الصينية لصناعة الصلب بأكثر من خمسة أضعاف بعد اتهامها ببيع منتجاتها بأقل من أسعار السوق، حيث تطبق الضرائب خصيصا على المنتجات الصينية دون غيرها من الصلب المسطح، والذي يستخدم في صناعة السيارات وحاويات الشحن والبناء، وتزعم صناعة الصلب في الولاياتالمتحدة أن نحو 12 ألف عامل فقدوا وظائفهم العام الماضي بسبب المنافسة غير العادلة مع الشركات الصينية. اليوان والهاجس الأمريكي يأتي الحوار مع اقتراب موعد اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في يونيو الجاري، لذا تنضم قضية العملة إلى حزمة موضوعات الحوار، ومع توقعات متصاعدة بأن يرفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة، شهدت قيمة العملة الصينية اليوان أو «رنمينبي» انخفاضا باستمرار ويتابع السوق هذه التقلبات في سعر صرف الرنمينبي. ويرى محللو المالية أن الترابط القوي بين توقع رفع سعر الفائدة للدولار الأمريكي وسعر صرف اليوان الصيني يدفع الجانبين إلى مواصلة تعزيز التبادل وتوضيح سياسات النقد للدولتين خلال الحوار الأمر الذي سيساهم في استقرار اقتصاد العالم. ويؤكد مراقبون أن السياسة الحالية للصين تقوم على الحفاظ على معدل صرف ثابت نسبيا مع للدولار، ما يقتضي من البنك المركزي الصيني شراء معظم الدولارات التي تدخل الصين، ثم إعادة تدويرها في السوق الأمريكية، على النحو الذي تستمر معه قيمة الدولار بالنسبة للرنمينبي مرتفعة، ويظل بقيمة بخسة، ما يرفع من تنافسية الصادرات الصينية في الخارج بشكل عام، وفي السوق الأمريكية على نحو خاص، الأمر الذي يقلل السياسية الاقتصادية الأمريكية.