«بلد بتاعة تسريبات صحيح».. عبارة تنطبق على امتحانات الثانوية العامة، فلم يكن تسريب امتحاني اللغة العربية والتربية الدينية أمس، الأول من نوعه، بل سبقه محاولات غش جماعي وتسريب نماذج الأسئلة والأجوبة النموذجية عبر صفحات على موقع التواصل الإجتماعي «فيس بوك»، مثل «شاو مينج بيغشش ثانويه عامة»، و«بالغش اتجمعنا» وغيرها من الصفحات، رغم تصريحات متوالية لمسؤولي الإدارات التعليمية المختلفة والدكتور الهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم، باتخاذ إجراءات جديدة صارمة من شأنها وقف التسريبات هذا العام. ولم تسلم دراما رمضان من واقعة التسريب الإلكتروني، ففوجئ فريق عمل مسلسل «مأمون وشركاة»، وعلى رأسهم الزعيم عادل إمام، بتسريب 5 حلقات من المسلسل المقرر عرضه طوال شهر رمضان للكاتب والسيناريست يوسف معاطي، بالإضافة إلى أول حلقتين من مسلسل «سقوط حر» للفنانة نيلي كريم، وأول ثلاث حلقات من مسلسل «الخروج»، فضلًا عن انتشار البرامج التليفزيونية التي تخصص الساعات الكاملة والمادة الإعلامية في بث وإذاعة مكالمات تسجيلية مسربة لبعض الشخصيات الثورية والسياسية والحزبية دون إذن قضائي . أكد عدد من التربويين والمختصين أن ظاهرة التسريبات لها بُعدان رئيسيان، أحدهما سياسي والآخر ثقافي، الأول، بحسب الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي وعضو مجلس إدارة المعاهد القومية السابق، لون من ألوان الاحتجاج السياسي على الدولة والنظام والتعليم حتى يُفسد هؤلاء ما يفعله الثالوث السابق؛ للتأكيد أنهم لن ينصاعوا لهذا النظام العقيم أو يخضعوا لابتزازاته وقراراته الرسمية، بحسب تعبيره. وأضاف مغيث ل«البديل» أن البعد الآخر يتمثل في حالة الصراع المستمرة بين عقلية جيل الستينات المحدودة التي يتصور أفرادها أنهم قادرون عبر سياسات التهديد والترهيب بالسجن وتشديد الغرامات والرقابة الأمنية وتواجد الأمن الدائم على الأبواب وعبر استخدام العصا الغليظة في مواجهة عقليات عصرية متطورة تمتلك وسائل اتصالات حديثة وأدوات تكنولوجية ووسائط اجتماعية، مؤكدا أنه تصور قاصر، فأزمة التسريبات ذات طبيعة فنية خاصة في ظل تضخم أعداد طلبة الثانوية العامة في الوقت الذي لا تستطيع الجامعات المصرية أن تلبي احتياجات ورغبات تلك المجاميع إزاء امتحانات الفرصة الواحدة في الساعة الواحدة في المادة الواحدة، ليقيس مدى ما يحفظه الطالب من معلومات عبر نظام «الأوبن بوك»، بدلا من استنباط قدرته العلمية على الفهم والنقد والتحليل. وتابع الخبير التربوي أن تمرد المعلمين على المنظومة التعليمية سبب طبيعي؛ لأنهم غير راضين عن مهمتهم، مع تدني مرتباتهم في دولة ونظام تعليمي لا يحترم قدراتهم الخاصة، ومن ثم لابد من عودة الدرجات للمدرسة، وإنهاء الاختبارات التي تُفرض على المدرسين من حين لآخر، ومن ثم، فإن تكرار التسريبات كل عام يدل على استمرار المنظومة السلطوية التي تستهدف تكريس سلطة الدولة والتأكيد على قمعها وجبروتها للمواطنين عبر نظام تعليمي عقيم قائم على الحفظ والتلقين ونهايته «غش جماعي». في المقابل، يرى أيمن البيلي، وكيل النقابة المستقلة للمعلمين، أن ظاهرة الغش هدفها إظهار الدولة والنظام السياسي الحالي عاجزا عن إدارة المنظومة التعليمية في مصر، لافتا إلى مخطط كبير يقف وراءه تنظيمات إخوانية، ومضيفا أن ورقة الأسئلة تمر عبر ثلاث جهات رئيسية، الأولى، المطبعة السرية قبيل إجراء الامتحانات، مرورا بمراكز توزيع الأسئلة إلى اللجان في مختلف القطاعات الامتحانية داخل كل محافظة، التي تخرج فجر كل يوم تحت حماية قوات الشرطة في وجود موظفين تابعين لوزارة التربية والتعليم. واستطرد البيلي أن الجهة الثالثة، اللجان، التي تشهد حالة من الفوضى وفشل الإجراءات التي اتخذتها الوزارة لتأمينها بوضع أجهزة تشويش على أجهزة الاتصالات حتى مسافة 100 متر من اللجان، لمنع وسائل التسريب المختلفة عبر البروتوكول غير المفعل والموقع بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مضيفا: «من الوارد تسريب الامتحانات عبر إحدى المراحل الثلاث السابقة». التسريبات الاستباقية أربكت الوزير الذي أصدر قرارا بتشكيل لجنة مؤقتة تشرف على إجراء الامتحانات من مستشاري وزارة العدل والشؤون القانونية بوزارة التربية والتعليم، بالإضافة إلى أساتذة جامعات يتم ندبهم للمراقبة، وكذلك تشكيل لجنة رقابية على المطبعة السرية ووضع نماذج الامتحانات البديلة؛ لمواجهة التسريبات مبكرا . على صعيد آخر، أباح قطاع في المجتمع ظاهرة تسريبات الامتحانات، ولا حرمانية في الأمر، في ظل منظومة تعليمية قائمة على الحفظ والتلقين وعدم تأدية المدرس أو المدرسة دورهم المفروض عليهم تجاه الطالب، كما أن مناهج التدريس مليئة بالحشو والمعلومات الجامدة. من جانبها، وصفت الدكتورة آمنة نصير، عضو لجنة التعليم والبحث العلمي داخل مجلس النواب، الظاهرة ب«كارثة أخلاقية» سقطت فيها الأسرة قبل الطالب، وكذلك المعلم الذي يتاجر بالطلبة عبر بيزنس الدروس الخصوصية، وبمشاركة مواقع التواصل الاجتماعي التي تفسد في الأرض، بحسب تعبيرها، مطالبة بضرورة اتخاذ إجراءات قانونية صارمة لإغلاق مواقع التواصل قبل أن تعُم الفوضى في المجتمع، على حد قولها. وأكدت نصير ل«البديل» أن منظومة التعليم في مصر سيئة للغاية، وتُدار بعقليات قديمة غير قادرة على الإبداع والتفكير العلمي السليم القائم على مناهج البحث العلمي، لذا احتلت مصر المركز قبل الأخير في جودة التعليم، طبقا لتقرير التنافسية العالمية الأخير .