في الوقت الذي خيم فيه البرود السياسي على الحوار السوداني خلال الفترة الأخيرة لاسيما مع رفض المعارضة مخرجات الحوار الأخير واستضافة الخرطوم له، بدا واضحًا من بعض التحركات أن هناك تغييرات قد يشهدها هذا الملف في الأيام المقبلة، وذلك بعد لقاء رئيس الآلية الإفريقية لحل أزمات السودان ثامبو أمبيكي مع زعيم حزب الأمة السوداني المعارض الصادق المهدي في جنوب إفريقيا. واتفق الطرفان خلال اللقاء على بحث تحفظات المعارضة المسلحة والسلمية حول خارطة الطريق التي وقعتها الحكومة السودانية بشكل منفرد في مارس الماضي بأديس أبابا، والتي تحفظت عليها أشكال المعارضة السودانية كافة، معترضة على بعض النقاط فيها مبررة ذلك بضرورة «وقف انحياز الوساطة الإفريقية لجانب الحكومة»، مشيرة إلى أن توقيع اتفاق من طرف واحد يعيد إنتاج الأزمة ولا يحقق تطلعات الشعب السوداني في السلام والعدالة والتحول الديمقراطي، إلَّا أن المراقبين رأوا في الخطوة الأخيرة من أمبيكي بادرة أمل لفتح الباب من جديد لإقناع القوى المقاطعة للحوار بالانضمام إليه، لاسيما بعد أن أعدت الوساطة الإفريقية خارطة الطريق النهائية، وهددت الأطراف التي رفضت التوقيع بالعقوبات الدولية. ويشهد الحوار الوطني السوداني، الذي انطلق منذ حوالي عامين حالة من الجمود، بعد أن فرغت لجان الحوار منذ فبراير الماضي من إعداد التوصيات، دون أن تجتمع الجمعية العمومية للحوار مرة أخرى للتصويت عليها وإجازتها، لتصبح أمرًا واقعًا، وترجع أهم أسباب الخلافات بين المعارضة والحكومة إلى رفض الحركات المعارضة أن يتم الحوار مع الحكومة في الداخل السوداني، مبررة ذلك بأنه لن يؤدي إلى فائدة في ظل تعنت الإدارة السودانية في مثل تلك الحوارات وعدم تلبية مطالب المعارضة، في الوقت ذاته تشترط الحكومة أن ينتقل بتم الحوار في الداخل، متهمة الحركات المعارضة بالاستقواء بالخارج، حيث أكدت الحكومة في وقت سابق أن الحوار الذي تم في الخرطوم نهائي، وأنها لن تسمح بفتح حوار من جديد، بالنسبة للقوى الممانعة التي تطالب بحوار خارجي، لاسيما الحركات المسلحة وطالبتها بالانضمام له، مع فتح الباب للنظر في مقترحاتها. وأثار اجتماع زعيم حزب الأمة الصادق المهدي، ورئيس الآلية الإفريقية ثامبو امبيكي الذي عقد مؤخرًا لإعادة الحوار مرة أخرى للطاولة الكثير من الجدل حوله، إذ اعتبر البعض اللقاء بمثابة محاولة لشق قوى نداء السودان، التي تضم المعارضة المسلحة والسلمية، بما فيها حزب الأمة، وسحب المهدي وإقناعه بالالتحاق بحوار الخرطوم، لاسيما أن الحكومة في الخرطوم تعمل جاهدة لضم المهدي، وعمدت إلى تأجيل الجمعية العمومية للحوار أكثر من مرة، على أمل انضمام الرجل الذي ترى الحكومة في وجوده يكسبها قوة لاسيما داخليًّا بالنظر لشعبية الصادق المهدي، وتأثيراته في المشهد السياسي عمومًا، إلَّا أن ما خرج من بيان لحزب الأمة بعد الاجتماع يشير إلى عدم انشقاق المهدي عن نداء السودان من جانبه أكد محمد زكي، المتحدث باسم حزب الأمة السوداني، أن امبيكي وافق على طلب المهدي بعقد اجتماع مع قوى «نداء السودان»؛ للوصول إلى اتفاق بشأن تحفظات المعارضة على خارطة الطريق، مؤكدًا أن المهدي قدم شروطًا للتوقيع على الخارطة، من قِبَل قوى نداء السودان مجتمعة، بينها عقد مؤتمر تحضيري بمشاركة قوى السودان كافة، فضلًا عن عدم الفصل بين حوار الخرطوم والحوار مع المعارضة، ولا يعد امتداد له إلى جانب الاتفاق على رئاسة محايدة للحوار، وألَّا تؤول للرئيس السوداني عمر البشير، كما هو الحال الآن، وذكر أن قوى نداء السودان سترسل بخطاب لأمبيكي بشأن تحفظاتها. كذلك لفت البيان إلى أن «المهدي أبلغ امبيكي أن عدم التوقيع على الخارطة حتى الآن، لا يعني عدم الاعتراف، بما فيها من إيجابيات أو تقدير أهدافها»، وأشار أيضًا إلى أن المهدي أبلغ الوسيط الإفريقي بخيار الانتفاضة الشعبية، فضلًا عن اتساع مطالب الشعب نحو نظام جديد عبر الحوار، وذكر أن امبيكي أفاد بتلبية خارطة الطريق لأهم مطالب قوى نداء السودان، الممثلة في الوقف الشامل لإطلاق النار، وكفالة الإغاثة الإنسانية بمناطق العمليات، فضلًا عن الاعتراف بالجبهة الثورية التي «تضم الحركات المسلحة»، وحزب الأمة كفريق مشترك في الحوار الوطني.