في خطوة توضح مغازلة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة معارضيه؛ لوقف حدة خطاباتهم وتوسيع دائرة الراغبين في المشاركة بالبرلمان ومؤسسات الدولة، صادق بوتفليقة على مشروعي قانونين جديدين يتضمن أحدهما إنشاء الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، ويضمن الآخر وضع قوائم الانتخابات تحت تصرف المرشحين والأحزاب السياسية، كما أصدرت الحكومة قانونين جديدين يلزمان الضباط بالتحفظ وعدم إصدارهم تصريحات سياسية بعد خروجهم من الجيش. سحب تنظيم الانتخابات من «الداخلية» أكد كثير من المراقبين الجزائريين أن إصدار قانون يإنشاء هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات بمثابة مهادنة مع المعارضة التي طالبت به منذ وقت طويل، لتتولى الهيئة الجديدة مهمة الإشراف والتنظيم والمراقبة الكاملة للعملية الانتخابية، وقال بوتفليقة الذي ترأس اجتماع مجلس الوزراء الأخير: إن مشروعي القانونين المتعلقين بالهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات ونظام الانتخابات، «يعكسان روح ونص الدستور المعدل الذي يعد ثمرة استشارة واسعة للطبقة السياسية والمجتمع المدني للبلاد». وتتشكل الهيئة، التي تم تأسيسها بموجب المادة 194 من الدستور المعدل في السابع من فبراير، من 410 أعضاء، حسب ما أفاد بيان لمجلس الوزراء، الذي أوضح أن نصف أعضاء هذه الهيئة قضاة يقترحهم المجلس الأعلى للقضاء، والنصف الآخر كفاءات مستقلة من المجتمع المدني تمثل الولايات كافة، والجالية الوطنية بالخارج وجميع فاعلي المجتمع المدني. وتجدر الإشارة إلى أن المادة 194 من الدستور المعدل تنص على إحداث هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات، تتكون بشكل متساو من قضاة يقترحهم المجلس الأعلى للقضاء، ويعينهم رئيس الجمهورية وكفاءات مستقلة يتم اختيارها من ضمن المجتمع المدني يعينها رئيس الجمهورية، أما رئيس الهيئة العليا فسيتم اختياره بعد مشاورات مع الأحزاب السياسية. واعتبر كثير من المسؤولين أن «التدابير الجديدة من شأنها أن تساهم في ضمان شفافية وهدوء أكبر خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لا سيما بالنسبة للأحزاب السياسية»، حيث من المقرر أن تجرى الانتخابات البرلمانية في الجزائر، منتصف عام 2017 وتتبعها الانتخابات المحلية في نهاية السنة. وبهذا القانون يكون قد سحب الرئيس بوتفليقة من وزارة الداخلية مسؤولية تنظيم الاستحقاقات الانتخابية وانشأ هيئة عليا مستقلة مشرفة على الانتخابات، بعدما اتهم معارضون الوزارة بترتيب نتائج كل الانتخابات السابقة لصالح مرشحين يدينون بالولاء لنظام الحكم، وفي ضوء ذلك تأمل المعارضة أن ينهي هذه التغييرات الجديدة حقبة القبضة الأمنية على مجريات العملية الانتخابية؛ نظرًا لإشراف وزارة الداخلية على مجريات العملية، وهو ما يضعها دائمًا محل شكوك في نزاهتها، بحسب قولهم. في الوقت ذاته هناك تخوفات ما زالت مخيمة على المشهد السياسي بالجزائر، ففى الوقت الذي أبدت فيه قوى معارضة ترحيبها بهذه القوانين، عبرت عناصر أخرى من المعارضة عن عدم يقينها من فاعلية هذا الإجراء، وفضلت انتظار تشكيل الهيئة وبداية نشاطها للوقوف على حقيقة نوايا الرئيس الجزائري، وعما إذا كان هذا الهيكل الجديد سيخرج المسار الانتخابي من وضعيته القديمة وسيحصل على الحد المطلوب من الاستقلالية التي يطمحون إليها أم لا؟ القانون الجديد يلجم قيادات الجيش السابقين وأصدرت الحكومة الجزائرية قانونين جديدين يقيدان تصريحات العسكريين السابقين، وذلك بعدما نشرت المواقع الجزائرية تصريحات لأحدى الجنرالات المتقاعدين اعتبرت «مؤثرة في معنويات» أفراد المؤسسة العسكرية، وعلى إثر ذلك أمر بوتلفيقة الضباط الكبار الذين غادروا المؤسسة العسكرية، بالكف عن الإدلاء بتصريحات تصب في خانة «الرهانات السياسية». وكانت أقوى التصريحات التي بسبها صدر القانونان الجديدان، تلك التي أطلقها حسين بن حديد، لواء متقاعد، كان يشغل منصب قائد المنطقة العسكرية الثالثة سابقًا، قبل نحو 8 أشهر وتفاعل معها كثيرون، عندما اتهم «شقيق الرئيس بوتفليقة بالإعداد لخلافة أخيه في الحكم، مشيرًا إلى أن شقيق بوتفليقة، في إطار طموحه لخلافة أخيه في سدة الحكم، أبعد الفريق توفيق، القائد السابق لجهاز الاستعلام والأمن، الذي يمثل العقبة الأولى أمامه، وأبعد الفريق أحمد بوسطيلة، قائد الدرك الوطني؛ لأنه من القدماء ولا يمكن التحكم فيه». وذهب الجنرال المتقاعد بعيدًا في تصريحاته، إذ طعن في كفاءة قائد أركان الجيش الحالي، وتحدث عن دور المؤسسة العسكرية في إلغاء المسار الانتخابي سنة 1992، وما حدث بعدها من أزمة أمنية تسببت في خسائر بشرية ومادية فادحة، لكن لم تمر أيام على تصريحات بن حديد، حتى جرى اعتقاله بتهمة إفشاء أسرار عسكرية. وخلافًا لتصريحات حديد، كانت هناك رسائل أخرى صدرت من قيادات جيش سابقة، اعتبرت خرقًا ل«واجب التحفظ»، حيث صدر قائد المخابرات السابق، الجنرال محمد مدين في بداية ديسمبر الماضي، رسالة طالب فيها ب«رفع الظلم» عن أحد كبار معاونيه «الجنرال آيت وعرابي الملقب بحسان» الذي جرى اعتقاله في أغسطس 2015. ويشير المراقبون إلى أنه يتضح من خلال سن هذين القانونين أن الرئيس بوتفليقة ومحيطه يريدون منع أي تدخل لضباط المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية للبلاد، خاصة بعد الضجة التي أثارها عدد من الضباط غير الراضين عن الوضع الحالي في البلاد.