«كل الطرق تؤدي إلى روما».. مثل روماني قديم يتجلى حاليا في مصر، ف«كل الطرق تؤدي إلى إعلام الصوت الواحد»، بعد مرور أقل من 10 أيام على شراء رجل الصناعة المصري أحمد أبو هشيمة جميع أسهم قناة ON TVمن رجل الأعمال نجيب ساويرس، أعلن أمس، ملاك مجموعة قنوات «CBC» و«النهار» عن بداية الاندماج في كيان اقتصادي وإعلامي واحد «شركة قابضة». الشركة تضم اسهم الشبكتين مع الاحتفاظ بالأشكال الفنية والهوية الخاصة لكلاهما بحسب تصريحات المهندس محمد الأمين، مالك «CBC»، الذي أكد فصل الملكية عن الإدارة، ما أثار العديد من التكهنات والتساؤلات والتخوفات حول مستقبل الإعلام الخاص في مصر مع تغير خريطة الملاك الجُدد والتكتل الإعلامي الجديد الذي يضم أحد أبرز البرامج الإعلامية تأثيرًا على الرأي العام في مصر. الخطوة وصفها مراقبون بأنها تعد بمثابة تحول كلي في إعادة صياغة الخريطة الإعلامية المصرية بما يتوافق مع هوى النظام، حين وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي رسالة صارخة لهم بشكل غير مباشر، بقوله: «لو سمحتوا ماتسمعوش حد غيري»، كما أنه يحقق الهدف الاقتصادي المطلوب من وراء الدمج في كثير من الأحيان. قال أحد العاملين في قناة «سي بي سي اكسترا»- فضل عدم ذكر اسمه: «لا يعلم أحد حتى الآن مصير القناة والسياسة التحريرية الجديدة، وما إذا كانت ستحافظ على طابعها الإخباري البحت الذي تقدمه أم تخفف من جرعة الأخبار على حساب الجانب الترفيهي والمنوعات كما حدث مع قناة ON TVبعد شراء أبو هشيمة لها، وهل هناك اتجاهات لتدشين قناة إخبارية مصرية تعبر عن هوية مصر أمام العالم مثل قنوات سكاي نيوز، بي بي سي، روسيا اليوم، وغيرها من القنوات الإخبارية المختصة. تقول الدكتورة ليلى عبد المجيد، عضو مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون وعميد كلية الإعلام السابق، إن القطاع الخاص هدفه في المقام الأول، الربح، فحين تتوالى خسائر الوسيلة الإعلامية، تبحث عن طبيعة الخلل في برامجها وخريطتها الإعلامية التي تتغير للوصول إلى الهدف المطلوب من ورائها ولا غرو من اندماج شبكتي النهار وCBCتحت كيان اقتصادي واحد مع الاحتفاظ بهوية كلا منهما دون إخلال بالرسالة الإعلامية. ولم تستبعد عبد المجيد تغيير خريطة الشبكتين الإعلامية خلال الأيام المقبلة، في ظل التحديات الجسيمة التي يواجهها الوطن للخروج برسالة إعلامية قوية تدعم المبادئ العامة التي يطرحها النظام الحاكم في مواجهة تلك التحديات، لكن مع الأخذ في الاعتبار ألا يكون فجًا، والاختلاف في الأسلوب وطريقة التناول والأداء الإعلامي حتى لا يتحول بمرور الوقت إلى «الدبة التي قتلت صاحبها». «احنا في مصر الدولة بنواجه حربا متواصلة مع قوى الظلام والإرهاب، لا أحد يختلف على الوقوف بجانب الدولة في ذلك التوقيت».. كلمات قالها وليد العيسوي، رئيس مجلس إدارة شبكات CBC؛ للنهوض من كبوة الدولة وإحداث نقلة نوعية في محتوى الرسالة الإعلامية المقدمة للرأي العام، مضيفا: «ليس معنى ذلك أننا لن نختلف مع النظام أو ننتقده حين يُخطئ، وإلا تحولت القناة إلى مثار للسخرية من الجميع». ويبقى السؤال هنا: هل ستقترب تلك القنوات الخاصة عبر الشركة القابضة الوليدة من إعلام الدولة وتكون لسان وصوت النظام أم ستبتعد عنه وتحافظ على هويته؟ الدكتورة درية شرف الدين، وزير الإعلام السابق، قالت إن تراجع دور إعلام الدولة السبب الأكبر في استحواذ الإعلام الخاص على الرأي العام، ولابد إعادة التوازن من جديد بأن يكون الإعلام القومي أقوى في الإمكانات والأداء الإعلامي بمهنية واحترافية لمواجهة هيمنة رجال الأعمال وسطوة رأس المال على الإعلام واحتكارهم له. وأضاف شرف الدين أنه في ظل فتح الباب على مصراعيه أمام تملك الأشخاص لوسائل الإعلام والقنوات المرئية دون وضع أي ضوابط أو معايير وقواعد تحكم تلك العملية العشوائية، أشبه ما تكون بشراء محل تجاري، بحسب تعبيرها، رغم خطورة الإعلام وتوجيهاته وسيطرته على الرأي العام، لكن يبدو أن الدولة لم تتطرق بعد إلى خطورة دور الإعلام التي لابد أن تمتلك إعلامها الذي يعبر عنها وينقل صوتها إلى العالم في الداخل والخارج. وأوضح الدكتور حسن أبو طالب، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الإعلام الخاص تحكمه عدة اعتبارات اقتصادية بحتة، جزء منها سياسية تتوقف على مدى قدرة رجل الأعمال على الوفاء بالتزامات ونفقات القناة حتى النهاية أو التراجع وبيع القناة أو تغيير محتوى برامجها، وجزء آخر مرتبط بالإعلانات وهي المنتج والمسوق الرئيسي لعدد كبير من البرامج العامة. ووصف أبو طالب الاندماج بين الشبكتين ب«ظاهرة جيدة» لمنع المنافسة الضارة فيما بينهما مع تعظيم المنفعة المشتركة بين الجانبين، وكلما كانت الشبكة كبيرة ومؤثرة ولديها حضور قوي في السوق الإعلامي كلما كان لها دور بارز في توجيه الرأي العام وتحسين جودة الرسالة الإعلامية، لكننا لدينا فوبيا من الاندماجات بصفة عامة، سواء كانت حزبية في تكتلات أو ائتلاف واحد، أو إعلامية تحت كيان اقتصادي واحد «شركة قابضة»؛ ظنًا بأنهم سوف يقدمون تنازلات للاستمرار. واختتم: «جزء من تلك المخاوف، مقبول، لكن مع تنوع الأداء الإعلامي وتغطية مساحات الاحتياجات المفقودة لدى الجمهور وتوسيع درجات الملكية، فإنها تنجح في نهاية الأمر في أداء رسالتها المنوطة بها في سوق الإعلام المصري».