شهدت الأعوام الأخيرة تطورًا كبيرًا في العلاقات بين السعودية وتركيا، على عدة مستويات أهمها السياسي والعسكري، وجاء تعزيز هذه العلاقات بعد أن تطابقت المصالح بين البلدين، لا سيما فيما يخص الأزمة السورية، والتخوفات من النفوذ الإيراني. وصلت وحدات برية وبحرية من القوات المسلحة السعودية إلى مدينتي أنقرة وأزمير التركية؛ للمشاركة في تمرين «إفيس 2016» الذي يستمر شهرًا بمشاركة قوات من 11 دولة، أبرزها الولاياتالمتحدة وألمانيا وقطر، فضلًا عن تركيا والسعودية، وكان في استقبال القوات المشاركة بمدينة أنقرة الملحق العسكري السعودي العميد البحري الركن، خالد بن حسين العساف وعدد من الضباط المشاركين، فيما كان في استقبال القوات المشاركة في مدينة أزمير قائد التمرين للوحدات السعودية علي بن محمد الشهري، وضباط القيادة وهيئة أركان التمرين. في الإطار ذاته، أكدت مصادر سعودية أن 8 طائرات من طراز «تورنيدو» ستصل إلى تركيا في العشرين من الشهر الجاري، للانضمام إلى التدريبات الجوية المعروفة باسم «نصر الأناضول» لمدة عشرين يومًا، بالتزامن مع تدريبات «إفيس 2016». قال قائد التمرين للوحدات السعودية العقيد، بحري علي بن محمد الشهري: إن التمرين الميداني متعدد الجنسيات يقام على الأراضي التركية وبقيادتها، ويعد أحد أكبر التمارين العسكرية في العالم من حيث عدد القوات المشاركة، واتساع مسرح الحرب للتمرين بين مدينتي أنقرة وأزمير، وأشار إلى أن التمرين يهدف إلى الأمن والاستقرار الدولي، وتضامن الدول المشتركة والاستعداد لمواجهة التنظيمات الإرهابية وإبراز القدرات ورفع الكفاءة العالية، وتعزيز التعاون وتوثيق التفاهم العسكري، وتنفيذ المهام المختلطة في بيئة متعددة الجنسيات، إلى جانب تنفيذ مخطط التحميل والنقل الاستراتيجي للقوات من مناطق تمركزها، كما لفت قائد التمرين إلى أنه تم تحقيق الهدف من خلال نقل القوات المشاركة من مناطق في المملكة إلى مدينتي أنقرة وأزمير، في ظل تنامي التهديدات الإرهابية. بعيدًا عن التصريحات الرسمية بشأن هذه المناورات السعودية التركية بأنها تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار الدولي، فإن هذه المناورات تحاول المملكة وأنقرة استغلالها للتأكيد على استمرار نهج مواجهة نفوذ إيران الذي يتوسع في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يمثل فزاعة للطرفين حاولوا مرارًا تحجيمه. شهدت العلاقات التركية السعودية خلال السنوات الأخيرة تعاونًا كبيرًا وتقاربًا استراتيجيًّا في مختلف المجالات خاصة السياسية، حيث يوجد لدى الطرفين العديد من المواقف المشتركة بشأن أزمات الشرق الأوسط، ففي البداية جاءت الأزمة السورية، لتوحد موقف الطرفين حول التنظيمات الإرهابية في سوريا ومصير الرئيس السوري بشار الأسد، حيث دعم الطرفين منذ بداية الأزمة التنظيمات المسلحة هناك عسكريًّا وماديًّا وسياسيًّا واستخباراتيًّا، خاصة «جيش الإسلام» و«أحرار الشام»، كما حاولوا مرارًا الدفع نحو إسقاط نظام الرئيس الأسد، وتمكين المعارضة المسلحة من سوريا، وهو الهدف الذي لم يصلوا إليه حتى الأن، لكنهم لم يفقدوا الأمل في بلوغه من خلال عرقلة المفاوضات السياسية لإنهاك القوات السورية في القتال وإطالة أمد المعركة. جاءت الأزمة السعودية الإيرانية لتقرب وجهات النظر بين الرياضوأنقرة، فقد وجدت الرياض ضالتها عندما دعمها الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، في هذه الأزمة التي اندلعت بعد أن أعدمت السعودية الشيخ، نمر باقر النمر، والتي قادت السعودية خلالها جهودًا كبيرة لكسب التأييد الدولي، من جانبها دعمت المملكة أنقرة في أزمتها مع روسيا، عندما أسقطت تركيا طائرة روسية على الحدود السورية التركية، في 24 نوفمبر الماضي، وقال وزير الخارجية السعودي حينها: إن المملكة تدعم حق تركيا في الدفاع عن أراضيها بالطريقة التي تراها مناسبة، الأمر الذي استغلته أنقرة في تعظيم التعاون مع السعودية؛ لكسر حالة العزلة التي حاولت روسيا فرضها على تركيا حينها، يأتي ذلك إلى جانب توافق الطرفين فيما يخص التقارب من الكيان الصهيوني، حيث تقود السعودية وتركيا مهمة التطبيع علنًا مع الاحتلال على حساب القضية الفلسطينية. امتدت العلاقات بين السعودية وتركيا إلى التعاون العسكري، حيث شاركت تركيا في مناورات رعد الشمال التي أقيمت شمال السعودية خلال الفترة من 27 فبراير إلى 11 مارس الماضيين، بمشاركة قوات من 20 دولة، إضافة إلى قوات درع الجزيرة المكونة من دول مجلس التعاون الخليجي، ووُصفت حينها هذه المناورات بأنها من أكبر التمارين العسكرية بالعالم. وفي الإطار ذاته فإن أنقرة تشارك في التحالف الإسلامي الذي أعلنت السعودية عن تشكيله في ديسمبر الماضي، والمكون من 34 دولة، ناهيك عن دعمها للتحالف العربي الذي تقوده الرياض في عدوانها على اليمن، إضافة إلى مشاركة السعودية وتركيا في التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا في سوريا ضد تنظيم داعش، والذي حطّت في إطاره مقاتلات تابعة لسلاح الجو السعودي في قاعدة إنجرليك الجوية بولاية أضنة جنوبي تركيا، في فبراير الماضي. في يوليو الماضي، وقعت تركيا والسعودية اتفاقية عسكرية عبر شركة «أسلسان» للصناعات الدفاعية التركية مع السعودية، ممثلة في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وشركة تقنية الدفاع، لتوريد الأسلحة والذخائر إلى السعودية لتعويض النقص الذي تعرضت له المملكة عقب تكبدها خسائر فادحة في عملية عاصفة الحزم، وفي 14 أبريل الماضي، وقَّع العاهل السعودي الملك، سلمان بن عبد العزيز، مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وثيقة تفاهم مشتركة لإنشاء مجلس تعاون استراتيجي بين المملكة وأنقرة.